بحث هذه المدونة الإلكترونية

اللاهوت


سلسلة مقالات قصيرة عن الروح القدس ـ أبونا متى المسكين


(6)

إعلان الروح



"فلما حلت عليهم الروح تنبأوا ولكنهم لم يزيدوا." (عدد25:11"

+ "لما حلت عليهم الروح تنبأوا".
إن حلول الروح يفك عقدة اللسان المربوط بعجز الخطيئة، ويُجلى الرؤيا أمام العين التى تعتمت بالشهوة.
إن أوقات الإعلانات والرؤى هى أوقات انفتاح الذهن. اصمت وانتظر بلإيمان وأنت ترى الله.
هذا هو
ناموس نظرة الروح الداخلية. أو لماذا رأى اسطفانوس السماء مفتوحة وابن
الإنسان جالساً عن يمين الله؟ أليس ذلك بسبب أن الروح كان حالاً عليه ؟

والروح وديع هادئ، كالحمامة، وفى الوداعة والهدوء تنظر العين ما لم تكن تراه !!
هناك
مئات من الأشياء الروحية العجيبة تحيط بى، ومع هذا لا أستطيع أن أراها،
إذا كان يعوزنى الهدوء والوداعة. لماذا كانت هاجر تعانى البؤس والشقاء فى
الصحراء ؟ وبئر الماء كان أمام عينيها مباشرة، ومع ذلك تاهت عن رؤيتها ؟ لم
تكن إرادة النظر التى منعهتها من الرؤية، ولكن حاجتها إلى حلول الروح!! أو
بالحرى إلى الهدوء والوداعة.

الحزن
والكآبة يفسدان العين الجسدية، فما بالك بعين الروح ؟ اليأس يبدد الخيرات
والنعم من محيط الرؤيا، ويخفى منظر الله الواقف أمامنا. وعندما يحل الروح،
نرى ما لم نكن نراه، ولكن عندما نحاول أن نزيد الرؤيا تكف وتتلاشى.

++++++++++++++++++++++

أيها الروح الذى يحل فى القلب، فترى العين ما لايرى، وينطق اللسان برجاء الخلاص،
إنى أنتظرك، وأعد قلبى لمجيئك كل يوم، وأهيئ قلبى بالشكر مقدماً، وأعد لسانى بالتسبيح.
تكلم، ياروح الله، بالسلام لنفسى، حتى أتيقظ للأنغام العذبة التى تعزف حولى بعجائب الله اتى تحيط بى.
تكلم بالسلام لنفسى، حتى أستطيع فى أحرج ساعات ظلمتى أن أرى السلم القائم بين الأرض والسماء، والملائكة آتية من فوق.
تكلم، ياروح الله،
بالسلام لنفسى، حتى أدرك فى شدة حيرتى أن هناك سبعة آلاف ركبة حولى، تسجد
لك فى الخفاء، فأتنبأ برحمتك، التى تفوق عجز الإنسان.



تابع سلسلة مقالات قصيرة عن الروح القدس - ابونا متى المسكين


(5)

توزيع الروح
"فنزل الرب فى سحابة وتكلم معه وأخذ من الروح الذى عليه وجعل على السبعين رجلاً الشيوخ" (عدد 25:11).
إن الرب يتكلم عادة فى سحاب، أن يُعلن ذاته خلال الأوقات أو الأشياء، التى تعتبر حاجزاً أو مانعاً عن الرؤيا.
هكذا تصبح أوقات حزنى هى هى أوقات شركتى، ويصبح صمت الأرض، بل وهَجوُها لى، حديثاً مشتركاً مع أغانى السماء.
هذه هى الميزة الكبرى لسحابتى، إنها تُبدد وحدتى، حينما أرى من خلالها الله. لقد كانت تبدو من قبل ضد سلامى وعزائى، حينما كنت أجهل صوت الله فيها، فكانت تخيفنى وتدفعنى بعيداً عن حقيقة نفسى. هذا هو طقس الرسالة التى تأتى خلال السحاب، أو خلال الصعاب، تأتى كرسالة من أجل البشرية. وحينما تأخذ الروح الذى وضعته علىّ، وتضعه على الآخرين!!
وحينما أرحب بمواهب الآخرين، أشعر أن حملى مشترك مع كل الذين يعملون ! وعندما أنقص ليزيد الآخرون ! لا أكون أبداً صغيراً، وكلما كنت تحت السحابة صرت أقرب لجميع الناس، لأننا لا نتقابل جميعاً تحت آشعة الشمس، ولكننا نتقابل كلنا تحت سحاب الصعاب. فالمشقات التى نعانيها معاً تلهب طاقات الحب. إنها تحمل حياتى إلى حياتك، وأفكارى إلى أفكارك، وقلبى إلى قلبك. فالحب يجد دائماً مدخلاً خلال الحواجز التى أقامتها الصعوبات بين الإنسان وأخيه الإنسان، فتوحد روح داود بروح يوناثان.
+++++++++++++++++++++++++

يا ابن الإنسان، دع صليبك يكون واسطتى لعبورى نحو أخى الإنسان.
دعنى أتقابل تحت ظل سحابة حضورك، وجهاً لوجه مع نفس حبيبى، الذى يناصبنى العداء.
أريد أن نرتبط كلانا بوحدانية الروح، شهادة لعملك،
أريد أن نتحد فى سر عشائك الربانى، فى سر آلامك المخفية.
لقد فشلنا أن نتحد تحت وحدانية الإخاء واليُسر، والمنفعة الكاذبة، فاربطنا بصليبك، ياابن الإنسان،
وحّدنا بذبيحتك وتجردك وفقرك وألمك، وصلنا بسحابتك.
أحضر قلوبنا إلى حضرتك، فوق العواطف والأحاسيس الجسدية، بلمسة نعمتك، المشتعلة بلمسة صليبك، بالآلام التى أسلمت ذاتك لها على الصليب.
دعنا فى أتون النار، ولكن ليس كل واحد بمفرده، إنما فى زمالة الألم، ثلاثة ثلاثة، حتى نرى الرابع بشبهم.
إنه استعلان لمجد الألم والعذاب، فى هذا الدهر،
حينما يصير واسطة لتجمعنا فى سحابة حضورك،
حينما يأخذ الروح من القوى ويعطى الضعيف، بسخاء المحبة لمجد الكنيسة.


سلسلة مقالات قصيرة عن الروح القدس ـ أبونا متى المسكين

(4)

تنازل الروح


"وملأته من روح الله بالحكمة والفهم والمعرفة وكل صنعة، لاختراع مخترعات ليعمل فى الذهب والفضة والنحاس." (خر 31 : 3-4)

عجيبة أن يمتلئ إنسان بالروح من أجل أعمال يدوية بسيطة! ويُلهَم بالحكمة والفهم وبكل معرفة، لا لشئ سوى أن يعمل فى النحاس والحديد. إن هذا يبدو شيئاً تافهاً بسيطاً، فالكل يعتقد أن الرجل إنما يُعطَى إلهاماً لكى يعيش بالروح أفضل من معيشة أهل هذا العالم. ولكن أن يمتلئ إنسان بالروح من أجل أمور عادية فى هذه الحياة، ويُؤتَى روح الحكمة، لكى يؤدى أشياء تبدو جميلة لعين الجسد وحسب، ألا يعتبر هذا تنازلاً عن علو مصدر الإلهام والحياة؟.
كلا، إن هذا صعود بالإلهام، خفىُّ. فمجد الروح هو فى قدرته وسلطانه لإعلان نفسه، فى إظهار ذاته فى الأشياء الصغرى، كما فى الكبرى. فالحكمة التى تلهم العقل، تلهم اليد والعين لمجد الله.

النحاس والحديد والخشب حينما يلمسه الروح فى حذق الصناعة وحكمتها، يستطيع أن ينطق بمجد الله. إن جمال الله مُعلًن للعين البسيطة فى كل شئ، حتى وسط البشاعة والتشويه. وحينما يتقدس القلب بالروح، يستطيع أن يحسّ بالسلام وسط العاصفة، ويلمح القوة من خلال الضعف، ويؤمن بالحياة ويراها وسط الموت.

+++++++++++++++++++++++++
فياروح
المسيح، الروح الذى وهب الحكمة بصنعة النحاس والحديد الذى فى العالم، أنا
آتى إليك لكى أجد الله فى كل ما أحتاج إليه.
إن ما 
أريده ليس العزلة عن العالم، بل سلطان الروح الذى يعمل فى العالم، القدرة 
على القيام بالواجبات اليومية العادية.
من أجل 
هذا، ألهمنى حكمة للأعمال الجسدية، حتى أستعلن الله فى كل شئ.
اجعلنى 
مناسباً لكل خدمة، طالما كل عمل يمكن أن يتخلله الروح.
ساعدنى فى 
تكريس كل ما أربحه، لخدمة الحب، ولنفع البشرية، ولإطلاق سراح من هم فى 
عبودية الفكر بعيداً عنك، حتى أصنع لك أصدقاء بمال الظلم.
إن تجسد 
المسيح سوف يصبح كاملاً عندما تملأنى، أيها الروح، لعمل النحاس والفضة وكل 
شئ.

سلسلة مقالات قصيرة عن الروح القدس ـ أبونا متى المسكين
(3)

واقعية الروح


"فقال فرعون لعبيده : هل نجد مثل هذا رجلاً فيه روح الله" (تك38:41)
لقد كان فرعون عالمياً، فكيف يستطيع أن يحترم رجلاً كان ينتمى إلى الله، وإلى عِظَم الاتساع والأبدية؟
إن السبب فى ذلك هو أن روح الله، كما الأبدية، يحتوى الساعة الحاضرة كجزء منها. فروح الذى له سلطان البدية الخالدة، له أيضاً بالضرورة تدبير الزمن الحاضر وكفاءته، وهو ظاهر كما فى أمور الله، كذلك فى أمور الناس.
إذا لم تكن ترى أبعد منك، فأنت تُناسب مصر، ولا تصلح لفرعون، ولا تنفع فى المجاعة المُقبلة على البلاد. ولكن إن كنتَ، بالروح، ترى ما لا يُرى، فأنت رجل الساعة أكثر من هؤلاء الذين يدَّعون أنهم "رجال العصر".
والذى يريد أن يدفع العصر الذى يعيش فيه أمامه، يجب أن يسبقه بالرؤيا التى لا تخطئ، لأن العالم الحاضر يُضئ الآن بواسطة النور الآتى من الأبدية، المنعكس على القلوب الأمينة.

† † † † † † † † † †
فيا روح المسيح، اجعلنى نوراً للأرض التى أسكن فيها.
لقد تعودت أن أسألك من أجل أمور الحياة الحاضرة.
أتوسل إليك أن تعدَّنى للحياة الأبدية،
حتى أكون نوراً للذين يطلبون شهادة الدهر الآتى،
وأصلح أن أُعطى مشورة نافعة لحياة الناس.
سلسلة مقالات قصيرة عن الروح القدس ـ أبونا متى المسكين

2 - رجاء الروح

"لا يدين (لا يسكن) روحى فى الإنسان إلى الأبد" (تك3:6)
وإن كف روح الله عن مؤازرة الإنسان عامة فليس دائماً، لأنه سيكون هناك سلام للروح فى النهاية، إذ لا يمكن أن تدوم قوتان متضادتان !! لابد أن تنتصر واحدة وتصبح الكل فى الكل. فهل يمكن أن تكون هى الجسد ؟ أم تكون الروح؟
الطوفان يجيب مبدئياً على هذا السؤال. فكل جسد متمرد تحطم، وكل الشهوات الحيوانية غرقت مع ارتفاع ينابيع الغمر، وكل فجور العالم آنئذ دُفن تحت الأمواج العاتية. وأخيراً، ساد الحب وتسلط ونجا الإيمان حاملاً الروح فى فُلك النفس.
أيتها الروح المجيدة التى لله، التى استُعلنت وسط ظلمان الفيضان، لقد كنتِ كحمامة مبشرة بالسلام والراحة فوق المياه، ولكنك تخبرين عن راحة أعظم من تلك التى على جبل أرارات، عندما تحين الأوقات التى لايكون فيها بحر ولا غمر ولا خوف ولا خطية.
إنكِ تخبرين عن صيف بلا عواصف، عن صباح مُشرق إلى الأبد بلا سحاب، عن لحظات أبدية بلا خوف. لقد كان "قوس قزح"، الذى أُقيم كعهد وسط المياه، ذى السبعة ألوان، رمزاً لسبعة أرواح الله. فذاك كان وعداً بالانعتاق من عقوبة الجسد، أما أنت فلما أشرقت على الأردن، صرت ضماناً للانعتاق من الخطية إلى الأبد، أما كمال وعدك بالخلاص فسيتم حتماً عندما تتحقق الرؤيا فى بطمس.
+++++++++++++++++++++++++

ياروح الله، لماذا أنا فى حرب معك؟ مع أنه ليس فى الخليقة من يعصاك!!
تتحدث أن الطبيعة كلها تطيع ناموسك الذى وضعته لها،
أما قلبى فقد عجز وحده أن يقول : "فلتكم مشيئتك"!
أنا الذى خلقتنى لأكون معجزة الكون، وقفت وحدى وسط الخليقة كلها أتصارع معك ! مع أنى فى أشد الحاجة أن أخضع لك وأُذعن لتدبيرك.
أتوسل إليك، أيها الروح القدس، روح المسيح، روح الآب !
اهزم إرادتى حتى ينتهى عصيانى، واخضع قلبى لك حتى أسير وفق ناموسك.
وحد قصدى مع قصدك، حتى أتصالح مع كل شئ، فتعمل الأشياء كلها للخير معك.
دعنى أعرف الفرح، لكى أكون بغير شذوذ وسط الكون الحى، فلا أتداخل وأفسد ترتيب عملك الذى صنعته يداك المباركتان.
إن كل الأشياء سوف تمجدك معى، عندما أكف عن عصيانى لناموسك.


سلسلة مقالات قصيرة عن الروح القدس ـ أبونا متى المسكين

(1)

أسبقية الروح

قبل أن يقول الله : "ليكن نور" كان روح الله يرف على وجه المياه. لقد كان الروح هو المفتاح الأول الذى انبعث منه صوت فى الكون وللنفس البشرية. لم يكن هناك فائدة من حضور النور، ما لم يكن الروح أولاً. فالنور لا يجعل وجه المياه سعيداً، ما لم ترف الحياة 
عليه.
إن النور هو فى الخارج فقط، أما الروح فمكان راحته فى الداخل حيث تنبعث السعادة من العمق. 
هكذا أيضاً من العبث أن تحيطنى بالنور والعشب وطير السماء وسمك البحر، بل حتى ولو بلغت القمة فى علاقتى مع إخوتى البشر الذين خُلقوا على صورة الله، فلن تكون هناك سعادة فى أعماقى، ما لم يرف الروح على وجه نفسى.
إن ما يجعلنى سعيداً ليس ما أحصل عليه، بل ما أكونه، وما أكونه أنا هو الروح !! إذن، فقد كان من الضرورة حضور الروح قبل كل هبات الله: قبل النور، وقبل الجلد، وقبل كل خليقة، وقبل عشب الحقل. وكما أنه من الحسن أن يسبق فرح الحياة فى القلب الفرح 
بالكون، هكذا قبل أن يقوم النور يجب أن يرف روح الله على وجه المياه.



أيها الروح الإلهى الذى سبق نسيمك كل الأشياء،

إننى، بجهل، أسعى لأقلب ترتيب أعمالك،

إننى أسأل عن الأشياء قبل أن أسأل عنك.

إننى قبل أن أطلبك، أسعى فى طلب النور والشمس والقمر والنجوم والعشب الأخضر وطير السماءوحيوان الأرض ووجوه الناس.

لقد نسيت أن النور بدونك لا يكون، والحشائش لا تنمو، والطيور والحيوانات لا توجد.

تعال انت بنفسك فى قلبى قبل كل شئ، ورف على وجه المياه.

لتُعط النور حقيقته ومعناه، وللحشائش قوتها ونفعها، وللطير والحيوان أُلفته وصحبته معى.

تعال واجعلنى أرى صورة الله التى فى الإنسان، فأطلبها قبل أن أطلبه، وأحبها فأحبه، وأكرمها فى كل وجه، فأجد الفرح والسلام.

فبدونك، أيام خليقتى هى أمسية حزينة، بدون صباح، ولكن عندما تتحرك على وجه المياه سوف يشرق 


فى قلبى سبت الخلود الذى لا يغشاه ليل!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق