الحمام الطائر
توقف
الشاب البسيط كرياكو ليجفف عرقه ويستريح فقد ثقلت قدماه جدا، وأحس أنه
غير قادر على حمل الحقيبة البسيطة التى لا تحتوى الا على القليل من
ملابسه، وظهرت علامات الانهاك الجسدى على ملامحه.
عاد الشاب يكمل طريقه وهو يردد اسم يسوع المسيح مطمئنا نفسه أنه قد
اقترب جدا من بلدة تاريح حيث يتمتع ببركة الدير وينعم بالوجود بين أبائه.
وبالفعل بدأت قباب الدير تظهر من بعيد ، وقد علت عليها صلبان ، ففرح جدا.
للحال ركع كرياكو على الأرض، ورفع عينى قلبه نحو السماء وهو يتمتم،
قائلا:" أشكرك ياربى يسوع المسيح..يا من أهلتنى لهذه الساعة أن أرى
الدير.اسمح أن أتمتع ببركة آبائه. هل تقبلنى خادما لآبائى؟ هل تقبل حياتى
كلها ذبيحة حب لك يا من أحببتنى؟ هل لى أن أكمل كل بقيه غربتى فى
أحضانك؟لست أطلب الا أن تكون معى وأكون معك؟
بدأت الدموع تذرف من عينيه، ولكن حنينه نحو الدير جذبه للقيام سريعا،
فقد ملأ الفرح قلبه ، وشعر كأنه حمل بسحابة لينطلق نحو الفردوس، وأعطى
جناحى حمامة ينطلق بهما نحو الفردوس..
أمسك الشاب كرياكو بالحبل وشده بلطف وهدوء ليسمع دقات جرس الدير بغير
ازعاج، وبعد دقائق سمع كرياكو صوتا هادئا من وراء الباب يسأله:من بالباب؟
-ابنك كرياكو ياأبى ؟
- ماذا تريد يا ابنى؟
- اسمح لى بالدخول ياأبى، فانى جئت من مكان بعيد جدا لأنال بركة الدير وبركة آبائى الرهبان.
- لقد سمعت عنكم يا أبى، أنا محتاج الى صلواتكم وارشادكم. اسمح بدقائق مع رئيس الدير.
-سامحنى يابنى لا أقدر أن أفتح.
-أرجو من أجل المحبة اقبلنى فأنى غريب وتحملت الكثير لأنال بركة الدير.
وفتح له بعد سماح رئيس الدير وعندما قبل كرياكو رئيس الدير قبل يديه وطلب
صلواته.
بدأ الشاب يفتح قلبه للرئيس ويروى اشتيقاته للرهبنة ثم سأله عن أب
أعترافه وتداريبه الروحية وقراءته ثم قال له : " لا أستطيع يا بنى أن أعدك
بشىء لكننى أتلركك هنا لفترة قد تطول لتختبر نفسك، فان طريق الرهبنة ليس
سهلا وحربه عنيفة ومرة.
سأرعاك بنفسى ولكننى أريدك أن تكون صريحا مع نفسك ومعى فان الرهبنة
ليست هدفا انما هى طريق يعطى ليس للجميع. ان أبديتك وحياتك مع المسيح هى
فوق الكل.
وعندما أوشكت الجلسة على الانتهاء سأله الشاب كرياكو اذ كان يعرفه ؟
وفى النهاية قال له أنا كرياكو ابن أختك؟ وعرف أن والدته قد انتقلت الى
الفردوس ووالده ذهب الى أحد الأديرة ليترهب .
فقال له رئيس الدير أن ينسى القرابة الجسدية وأن يضع فى قلبه الا ينشغل بغير العبادة لله.. ففرح كرياكو جدا.
مرت السنوات وكان كرياكو ينمو فى النعمة، فقد تعلق بمسيحه جدا والتهب
قلبه بحب الأبدية. انعكس هذا على ملامحه فكانت البشاشة لا تفارقه، وعرف
بالبساطة الشديدة، وجاءه الكثيرون يطلبون صلواته ويثقون فى قداسته.
حسده البعض من أجل شهرته التىذاعت فى بلاد كثيرة بأرمينيا، فجاءوا الى
الدير ووشوا به لدى رئيس الدير، مدعين أن الراهب كرياكو، المعروف ببساطته
الشديدة وكثرة نسيانه ، انما يتظاهر بالقداسة ويفتعل النسك.
طلب بعض الغرباء من رئيس الدير أن يقدمهم للراهب كرياكو كجماعة من
الضيوف، وهم يكشفون له حقيقة هذا الراهب. استقبلهم الراهب باهتمام شديد
ومحبته المعهودة وبعد أن تحدث معهم عن ملكوت السموات سألهم أن يباركوه
ويأكلوا عند فقبلوا طلبه.
اذ عرف الراهب أنهم جاءوا من بلد بعيد وأنهم جائعون أسرع وذبح لهم
حماما وقام بشيه ثم ضعه أمامهم وجلس وسطهم يصلى... وكان يوم أربعاء وهو لا
يعلم. لعله كان يصوم طول العام، وانما يضطر أن يفطر أحيانا من أجل محبته
لاضافة الغرباء.
استأذن أحد الأخوة وبسرعة استدعى رئيس الدير ليرى الراهب الناسك كرياكو يأكل حماما مشويا يوم الأربعاء.
دخل رئيس الدير وحده وتباطأ الأخ خارج القلاية حتى لا ينكشف أمره.وهنا
سأل أحد الضيوف الراهب كرياكو :" ألا تعلم يا أبانا كرياكو ان اليوم صوم،
فكيف أعددت لنا حماما؟ وكان يقصد بذلك احراجه أمام رئيس الدير.
صمت الراهب البسيط قليلا دون اضطراب ، وانما فى هدوء سأل :" أحقا يا
أبانا.. اليوم أربعاء؟ واذا لم يجبه رئيس الدير قال الراهب:" انى أسف جدا،
اذ لم أكن أعرف أن اليوم أربعاء ... فهل تسمحوا للحمام أن يطير؟
ضحك الحاضرون فى سخرية اذ رأوه يرسم على الحمام المشوى علامة الصليب
وهو يقول:" مادام اليوم صوم ، فلماذا تبقون هنا أيها الحمام؟ فلتطيروا
اذن! " لكن سرعان ما توقف الكل عن ضحكهم اذ رأوا الحمام المشوى ينطلق من
الطبق طائرا فى الجو!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق