قصيدة يا ست البنات
مديحة أمدح في البتول
ترنيمة يا عدرا يا امى طلى بنورك طلى Ctv
ترنيمة للسيدة العذراء للمعلم فرج
ترنيمة يا مريم يا ام الله ابنك بالمجد اتجلى
العذراء مريم نموذج للعذارى
للقديس أمبروسيوس
العذراء دائمة البتولية:
لا مراء في أن الأسرار الإلهية محتَجَبَة. وليس هيِّناً لإمرئ مهما كان أن يبلغ إلى إدراك مقاصد الله كقول النبي: «مَن قاس
روح الرب، ومَن مشيرُه يُعلِّمهُ» (إش 40: 13). ومع ذلك فجملة أعمال وتعاليم ربنا ومخلِّصنا تجعلنا نُدرك أن الله في تدبيره المُحكم تماماً، حسناً اختار تلك التي خُطِبَت لرجل من أجل تتميم ميلاد الرب. ولكن لماذا لم تَصِر مريم أُمّاً قبل خطبتهما؟
+ ربما لكي لا يجرؤ أحد على أن يقول إنها حملت بالزنا، والكتاب واضح في الإشارة إلى هذين الأمرين: إنها كانت مخطوبة، وعذراء: عذراء، الأمر الذي يُظهرها معصومة من كل علاقة مع رجل؛ ومخطوبة، لكي تتجنَّب أية شُبهة لعذراوية مفقودة، تلك التي كان الحَبَل سيُظهر فقدانها. وشاء الرب أن يَدَع البعض يشكُّون في نَسَبه (أي نَسَب الطفل المولود منها) أفضل من الشكِّ في أُمِّه. فهو (أي الرب يسوع) كان يعرف كم إن شرف عذراء ما أمر حسَّاس، وكم إن سمعة طهارتها قابلة للانثلام، ولم يقرر أمر إثبات نَسَبه على حساب أُمِّه.
وهكذا حُفِظَت بتولية القديسة مريم دون أن تكون على حساب طهارتها، ودون أن تبلغ إلى المساس بسمعتها؛ لأن القديسين يجب أن تكون لهم «شهادة حسنة من الذين هم من خارج» (1تي 3: 7)، ولم يكن لائقاً أن تُترك حجة أو عذر لِمَن يسلك طريق الطهارة.
+ ولسنا نغفل سبباً آخر. فبتولية مريم كان ينبغي أن تخدع رئيس هذا العالم، الذي لم يجرؤ على الشكِّ في ولادتها إذ رآها متحدة برجل. ويُعلن كلام الرب نفسه أنه كان يقصد ذلك في مواضع متعددة (مت 16: 20؛ 8: 4؛ لو 4: 35؛ 1كو 2: 7)، لقد خدعه كيما يقهره.
فلا نعجبنَّ إن كان الكتاب يدعوها دائماً امرأة. فهذا لا يُعبِّر عن فقدان بتوليتها، بل شهادة لخطبتها وللتعبير عن اقترانها. وكَوْن يوسف قد أراد تخليتها (سرّاً)، فهذا إقرار بأنه قد اتخذها امرأة لأنه لا يُشهِّر أحد بإنسانة، ما لم يكن قد اتخذها له.
العذراء نموذج للعذارى:
+ وحسناً كانت مريم امرأة وعذراء، حيث إنها ترمز إلى الكنيسة التي بلا عيب وهي عروسة. فهي كعذراء حبلت بنا بالروح القدس، وكعذراء تلدنا بلا ألم. لقد قال لها الملاك: «سلامٌ لك أيتها الممتلئة نعمة. الربُّ معكِ. مُباركةٌ أنتِ في النساء. فلما رأته (مريم) اضطربت...» (لو 1: 29،28). اعرفوا العذراء من سلوكها، اعرفوا العذراء من اتضاعها، اعرفوا العذراء من كلامها، اعرفوا العذراء من السرِّ...
+ لقد خافت مريم حتى من تحية الملاك، «وفكَّرت ما عسى أن تكون هذه التحية؟» فكَّرت بتواضعٍ، لأنها كانت مضطربة؛ وبفطنةٍ، لأنها كانت مندهشة من هذه الصيغة الجديدة للبركة، التي لم يُسمع عنها قط، ولم يتلقاها أحد قط حتى ذلك الزمان. لقد حُفِظَ هذا السلام لمريم وحدها، فهي وحدها التي دُعيت بحقٍّ ممتلئة نعمة، إذ قد نالت وحدها هذه النعمة التي لم يَنَلها أحدٌ غيرها قط، أن يملأها صانع النعمة.
+ هكذا خجلت مريم، كما خجلت أليصابات من قبلها أيضاً. ولكن لنعلم، إذن، ماذا يُميِّز اتضاع أليصابات عن اتضاع العذراء؟ فأليصابات خجلت وهناك ما يدعو لخجلها؛ أما هذه (أي العذراء) فقد خجلت من فرط اتضاعها. فبالنسبة للمرأة هناك حدٌّ لحيائها؛ أما بالنسبة
للعذراء فالحياء يزيدها جمالاً
.
موقف مريم من بشارة الملاك:
+ وإن لم نمعن النظر في الأمر فقد يبدو لنا هنا أن العذراء لم تُصدِّق، إذ قالت: «كيف يكون لي هذا...؟» ولكن من غير المعقول أن تُختار فتاةٌ لتلد ابن الله الوحيد وهي غير مُصدِّقة. فماذا يكون العمل، إذن، ونحن نعلم جيداً كرامة الأُم التي كانت تستحق بالتأكيد أعظم اعتبار؟ وإذ هي كذلك فعلاً كان ينبغي أن يضمن لها أيضاً هذا الاعتبار، إذ أن زكريا حُكِمَ عليه بالصمت لأنه لم يُصدِّق، ومريم التي لم تُصدِّق (استفسرت) شُرِّفت بحلول الروح القدس عليها! ولكن مريم ما كانت لترفض التصديق ولا أن تقع في الاستخفاف بالأمر، فرفض تصديق الملاك يُعتبر شكّاً في الأمور الإلهية. إلاَّ أنه لم يكن من السهل إدراك «السر المكتوم منذ الدهور في الله» (أف 3: 9؛ كو 1: 26) الذي لم يُعرَّف به حتى القوات السماوية، ومع ذلك فهي لم ترفض الإيمان به ولا التنصُّل من دورها فيه، بل أخضعت إرادتها ووعدت بخدمته، لأنها بقولها: «كيف يكون لي هذا؟» لم تشكَّ في فاعليته، بل طلبت توضيح كيفية هذه الفاعلية.
+ وكم كانت هذه الإجابة أكثر اتزاناً من كلام زكريا الكاهن! فهو قد قال: «كيف أعلم هذا؟» أما هي فتساءلت: «كيف يكون لي هذا؟» إنه (أي زكريا) يُعلِن عدم التصديق فيما هو يُعلِن عدم المعرفة، وبدا كأنه يبحث أيضاً عن ضمانة أخرى لكي يؤمن؛ أما هي فتُعلن أنها مستعدة للتصديق ولا تشك في أنه يمكن أن يحدث ذلك، ولكنها تطلب معرفة كيف سيتم، لأننا نقرأ: «كيف يكون لي هذا وأنا لستُ أعرف رجلاً؟» هذه الولادة الفريدة والفائقة للعقل، وجب أن تسمع عنها مواجهةً قبل أن تُسلِّم بها.
أن تلد عذراء، هذه آيةٌ وسرٌّ إلهي وليس أمراً بشرياً، كما هو مكتوب: «يُعطيكم السيِّد نفسه آية: ها العذراء تحبل وتلد ابناً» (إش 7: 14). فمريم قرأته وآمنت بتكميله، ولكنها لم تقرأ كيف كان ليتم هذا، لأن هذه الكيفية لم تكن قد أُعلنت ولا حتى لنبي عظيم مثل إشعياء، ذلك أن إعلان مثل هذا السر كان يجب أن يخرج لا من شفتي إنسان بل ملاك. واليوم، ولأول مرة، نسمع القول: «الروح القدس يحلُّ عليكِ...»، إننا نسمعه ونُصدِّقه.
+ وقالت العذراء أيضاً: «هوذا أنا أَمَة الرب، ليكن لي كقولك». انظروا التواضع، انظروا التكريس، إنها تقول: ”أَمَة الرب“ وهي المختارة لتكون أُمَّه، وهذا الوعد غير المتوقع لم يجعلها ترتفع. وفي نفس الوقت وهي تقول ”أَمَة“، لم تطلب أي امتياز تبعاً لمثل هذه النعمة. إنها ستُكمِل ما تؤمَر به، لأن في مقابل ولادة الوديع المتضع لاقَ أن تكون أُمُّه مثالاً في الاتضاع. هذا القول يُعبِّر عن طاعتها وفيه ترون اشتياقها: «هوذا أنا أَمَة الرب»، تعني الاستعداد لخدمته؛ و«ليكن لي كقولك»، تُعبِّر عن الاشتياق الكامن لديها.
الزيارة النموذجية:
بديهي أن جميع مَن يريدون أن يُصدِّقوا، يُهيِّئون أسباب التصديق، وأيضاً الملاك الذي كان يُعلِن الأسرار أعلن لمريم، وهي عذراء، أُمومة امرأة مُسِنَّة وعاقر، مُشيراً بذلك أن الله يستطيع أن يفعل كل ما يسرُّه. فمنذ أن عرفت مريم، قامت - ليس عن نقص إيمان في النبوَّة، وليس عن غير يقينية في هذا الإعلان، وليس عن شكٍّ فيمَن أُعلِنَت قبلها؛ بل بمسرة اشتياقها، وكيما تُكمِل واجباً تقويّاً باجتهاد وفرح - وذهبت بسرعة إلى الجبال. إن نعمة الروح القدس لا تعرف الترتيبات البطيئة.
+ تعلَّمن أيتها العذارى ألاَّ تجرين إلى بيوت الآخرين، وألاَّ تنجذبن إلى مواضع معيَّنة بالذات، وألاَّ تنشغلن بمحادثات على الطريق العام. فمريم تمهَّلت في المنزل، ولكن أسرعت في الطريق. لقد لبثت عند نسيبتها ثلاثة أشهر، لأنها إذ أتت لتؤدِّي خدمة، كانت تؤدِّيها من كل قلبها. وبقيت ثلاثة أشهر ليس لمسرَّة الوجود في بيت غريب، ولكن لأنها لم تُرِد أن تَتَـنقَّل في الخارج.
+ تعلَّمن أيتها العذارى الرقة من مريم، وتعلَّمن أيضاً اتضاعها، فإنها تأتي كغريبة إلى قريبتها، وكصغيرة إلى كبيرتها؛ وليس فقط ذهبت إليها، بل كانت هي الأولى في تحيتها. فيليق حقاً أن تكون العذارى أكثر اتضاعاً بقدر ما تَكُنَّ أكثر عفة.
+ هناك أيضاً دافع آخر تَقَوي، بل وتعليم عقيدي: ففي الواقع ينبغي أن يأتي الكبير إلى الصغير ليُساعده، فمريم أتت إلى أليصابات، والمسيح إلى يوحنا، وأتى إليه أيضاً فيما بعد كيما يُقدِّس معموديته (مت 3: 13).
وللحال استُعلنت بركات مجيء مريم وحضور الرب: «فلما سمعت أليصابات سلام مريم، ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت أليصابات من الروح القدس...».
+ لاحِظوا دقة اختيار كل لفظ: فأليصابات هي أول مَن سمعت الصوت، ولكن يوحنا هو أول مَن شعر بالنعمة؛ فتلك سمعت طبقاً لنظام الطبيعة، أما هذا فتهلَّل تحت تأثير السرِّ؛ لقد أدركت هي وصول مريم، وأدرك هو وصول الرب؛ أدركت المرأة ما للمرأة، والطفل ما للطفل. تكلَّمت المرأتان بإرشاد النعمة، وحقَّقها الطفلان في الداخل وبلغا إلى سرِّ الرحمة لصالح والدتيهما؛ وبمعجزة مزدوجة تنبَّأت الوالدتان بإلهام طفليهما. فالطفل تهلَّل والأُم امتلأت. والأُم لم تمتلئ قبل ابنها، بل حالما مُلئ الابن بالروح القدس امتلأت منه الأُم أيضاً.
يوحنا تهلَّل وروح مريم بالمثل تهلَّلت، وفي تهليل يوحنا امتلأت أليصابات... لأن ذاك الذي لا نستطيع أن نُدركه عَمِلَ في أُمِّه بطريقة غير مُدركة. وأخيراً، فإن أليصابات امتلأت بعد أن حملت، أما مريم فقبل الحَمْل.
+ «مباركة أنتِ في النساء، ومباركة هي ثمرة بطنكِ. فمَن أين لي هذا، أن تأتي أُم ربي إليَّ؟» إن الروح القدس يعرف كلامه، والنبوَّة تتحقَّق، ليس فقط في الأعمال المعجزية، بل أيضاً في الأهداف الواضحة والخاصة جداً. فما هي ثمرة البطن هذه إلاَّ ذاك الذي قيل عنه: «البنون ميراث من الرب، أُجرة ثمرة البطن» (مز 126: 3). أو يُقال أيضاً: إن ميراث الرب هم الأبناء، المأخوذون من هذه الثمرة التي خرجت من أحشاء مريم. إنه هو ثمرة البطن، الغصن الذي نبت من أصل، حسناً تنبَّأ عنه إشعياء النبي قائلاً: «يخرج قضيب من جذع يسَّى، وينبت غصن من أصوله» (إش 11: 1). فالجذع هو جنس اليهود، والغصن هو مريم، وزهرة مريم هي المسيح، الذي هو - كثمرة شجرة صالحة، وتبعاً لتقدُّمنا في الفضيلة - يُزهر الآن ويُثمر فينا، ويلد الآن جديداً بالقيامة مَن يقبل الحياة في جسده.
+ «مِن أين لي هذا...؟» إنه ليس عن جهل تسأل أليصابات - فهي تعلم تماماً أن في سلام مريم أُم الرب، نعمة وفعل الروح القدس من أجل صالح ابنها - ولكنها تُقِرُّ أن هذه نتيجة ليس للاستحقاق البشري بل للنعمة الإلهية، وهي تقول أيضاً: «مِن أين لي هذا...؟» بمعنى: أيُّ نعيم صار إليَّ أنَّ مريم أُم الرب تأتي إليَّ. إني أقرُّ بأنه قد آل إليَّ بلا أي وجه حق، فمن أين لي هذا؟ ليس هذا أمراً مألوفاً بين النساء، أن تأتي أُم ربي إليَّ! إني أتوقَّع معجزة، إني أقرُّ بالسرِّ: ها هي أُم الرب مُخصبة بالكلمة.
+ «فطوبى للتي آمنت...»، أنتم ترون أن مريم لم تشكَّ بل صدَّقت، وبذا اقتنت ثمرة الإيمان. لقد قالت (أليصابات): «طوبى للتي آمنت...»، ولكن طوبى لكم أنتم أيضاً الذين تسمعون وتؤمنون! لأن كل نفس تؤمن، تحبل وتلد كلمة الله وتقرُّ بأعماله. فليت نفس مريم تكون قدوة في كل شيء كيما نُمجِّد الرب، وليت روح مريم تكون قدوة في كل شيء كيما نُعلي الله، فإنه وإن لم توجد إلاَّ أُم واحدة للمسيح حسب الجسد، فإن المسيح بالإيمان يمكن أن يكون ثمرة للجميع، لأن كل نفس يمكن أن تقبل كلمة الله بشرط أن تحفظ العفة بلا عيب وتتحفظ من الرذائل في طهارة كاملة.
+ إذن، فكل نفس تبلغ إلى هذه الحالة تُعظِّم الرب! كما عظَّمت نفس مريم الرب وكما تهلَّلت روحها بالله مخلِّصها.
في الواقع إن الرب يتعظَّم هكذا، كما قرأتم في موضع آخر: «عظِّموا الرب معي» (مز 33: 4). ليس إن كلام الإنسان يمكن أن يُضيف شيئاً إلى الرب، ولكن لأنه يكبر فينا، لأن المسيح هو «صورة الله» (2كو 4: 4؛ كو 1: 15)، وعلى ذلك فكل نفس تصنع عملاً ببرٍّ وتقوى، تُعظِّم صورة الله هذه، التي خُلِقت على مثالها. وعلى ذلك أيضاً فهي تُشارِك، بصورةٍ ما، وهي تُعظِّمه، في عظمته وتوجد مرتفعة فيه.
لا مراء في أن الأسرار الإلهية محتَجَبَة. وليس هيِّناً لإمرئ مهما كان أن يبلغ إلى إدراك مقاصد الله كقول النبي: «مَن قاس
روح الرب، ومَن مشيرُه يُعلِّمهُ» (إش 40: 13). ومع ذلك فجملة أعمال وتعاليم ربنا ومخلِّصنا تجعلنا نُدرك أن الله في تدبيره المُحكم تماماً، حسناً اختار تلك التي خُطِبَت لرجل من أجل تتميم ميلاد الرب. ولكن لماذا لم تَصِر مريم أُمّاً قبل خطبتهما؟
+ ربما لكي لا يجرؤ أحد على أن يقول إنها حملت بالزنا، والكتاب واضح في الإشارة إلى هذين الأمرين: إنها كانت مخطوبة، وعذراء: عذراء، الأمر الذي يُظهرها معصومة من كل علاقة مع رجل؛ ومخطوبة، لكي تتجنَّب أية شُبهة لعذراوية مفقودة، تلك التي كان الحَبَل سيُظهر فقدانها. وشاء الرب أن يَدَع البعض يشكُّون في نَسَبه (أي نَسَب الطفل المولود منها) أفضل من الشكِّ في أُمِّه. فهو (أي الرب يسوع) كان يعرف كم إن شرف عذراء ما أمر حسَّاس، وكم إن سمعة طهارتها قابلة للانثلام، ولم يقرر أمر إثبات نَسَبه على حساب أُمِّه.
وهكذا حُفِظَت بتولية القديسة مريم دون أن تكون على حساب طهارتها، ودون أن تبلغ إلى المساس بسمعتها؛ لأن القديسين يجب أن تكون لهم «شهادة حسنة من الذين هم من خارج» (1تي 3: 7)، ولم يكن لائقاً أن تُترك حجة أو عذر لِمَن يسلك طريق الطهارة.
+ ولسنا نغفل سبباً آخر. فبتولية مريم كان ينبغي أن تخدع رئيس هذا العالم، الذي لم يجرؤ على الشكِّ في ولادتها إذ رآها متحدة برجل. ويُعلن كلام الرب نفسه أنه كان يقصد ذلك في مواضع متعددة (مت 16: 20؛ 8: 4؛ لو 4: 35؛ 1كو 2: 7)، لقد خدعه كيما يقهره.
فلا نعجبنَّ إن كان الكتاب يدعوها دائماً امرأة. فهذا لا يُعبِّر عن فقدان بتوليتها، بل شهادة لخطبتها وللتعبير عن اقترانها. وكَوْن يوسف قد أراد تخليتها (سرّاً)، فهذا إقرار بأنه قد اتخذها امرأة لأنه لا يُشهِّر أحد بإنسانة، ما لم يكن قد اتخذها له.
العذراء نموذج للعذارى:
+ وحسناً كانت مريم امرأة وعذراء، حيث إنها ترمز إلى الكنيسة التي بلا عيب وهي عروسة. فهي كعذراء حبلت بنا بالروح القدس، وكعذراء تلدنا بلا ألم. لقد قال لها الملاك: «سلامٌ لك أيتها الممتلئة نعمة. الربُّ معكِ. مُباركةٌ أنتِ في النساء. فلما رأته (مريم) اضطربت...» (لو 1: 29،28). اعرفوا العذراء من سلوكها، اعرفوا العذراء من اتضاعها، اعرفوا العذراء من كلامها، اعرفوا العذراء من السرِّ...
+ لقد خافت مريم حتى من تحية الملاك، «وفكَّرت ما عسى أن تكون هذه التحية؟» فكَّرت بتواضعٍ، لأنها كانت مضطربة؛ وبفطنةٍ، لأنها كانت مندهشة من هذه الصيغة الجديدة للبركة، التي لم يُسمع عنها قط، ولم يتلقاها أحد قط حتى ذلك الزمان. لقد حُفِظَ هذا السلام لمريم وحدها، فهي وحدها التي دُعيت بحقٍّ ممتلئة نعمة، إذ قد نالت وحدها هذه النعمة التي لم يَنَلها أحدٌ غيرها قط، أن يملأها صانع النعمة.
+ هكذا خجلت مريم، كما خجلت أليصابات من قبلها أيضاً. ولكن لنعلم، إذن، ماذا يُميِّز اتضاع أليصابات عن اتضاع العذراء؟ فأليصابات خجلت وهناك ما يدعو لخجلها؛ أما هذه (أي العذراء) فقد خجلت من فرط اتضاعها. فبالنسبة للمرأة هناك حدٌّ لحيائها؛ أما بالنسبة
للعذراء فالحياء يزيدها جمالاً
.
موقف مريم من بشارة الملاك:
+ وإن لم نمعن النظر في الأمر فقد يبدو لنا هنا أن العذراء لم تُصدِّق، إذ قالت: «كيف يكون لي هذا...؟» ولكن من غير المعقول أن تُختار فتاةٌ لتلد ابن الله الوحيد وهي غير مُصدِّقة. فماذا يكون العمل، إذن، ونحن نعلم جيداً كرامة الأُم التي كانت تستحق بالتأكيد أعظم اعتبار؟ وإذ هي كذلك فعلاً كان ينبغي أن يضمن لها أيضاً هذا الاعتبار، إذ أن زكريا حُكِمَ عليه بالصمت لأنه لم يُصدِّق، ومريم التي لم تُصدِّق (استفسرت) شُرِّفت بحلول الروح القدس عليها! ولكن مريم ما كانت لترفض التصديق ولا أن تقع في الاستخفاف بالأمر، فرفض تصديق الملاك يُعتبر شكّاً في الأمور الإلهية. إلاَّ أنه لم يكن من السهل إدراك «السر المكتوم منذ الدهور في الله» (أف 3: 9؛ كو 1: 26) الذي لم يُعرَّف به حتى القوات السماوية، ومع ذلك فهي لم ترفض الإيمان به ولا التنصُّل من دورها فيه، بل أخضعت إرادتها ووعدت بخدمته، لأنها بقولها: «كيف يكون لي هذا؟» لم تشكَّ في فاعليته، بل طلبت توضيح كيفية هذه الفاعلية.
+ وكم كانت هذه الإجابة أكثر اتزاناً من كلام زكريا الكاهن! فهو قد قال: «كيف أعلم هذا؟» أما هي فتساءلت: «كيف يكون لي هذا؟» إنه (أي زكريا) يُعلِن عدم التصديق فيما هو يُعلِن عدم المعرفة، وبدا كأنه يبحث أيضاً عن ضمانة أخرى لكي يؤمن؛ أما هي فتُعلن أنها مستعدة للتصديق ولا تشك في أنه يمكن أن يحدث ذلك، ولكنها تطلب معرفة كيف سيتم، لأننا نقرأ: «كيف يكون لي هذا وأنا لستُ أعرف رجلاً؟» هذه الولادة الفريدة والفائقة للعقل، وجب أن تسمع عنها مواجهةً قبل أن تُسلِّم بها.
أن تلد عذراء، هذه آيةٌ وسرٌّ إلهي وليس أمراً بشرياً، كما هو مكتوب: «يُعطيكم السيِّد نفسه آية: ها العذراء تحبل وتلد ابناً» (إش 7: 14). فمريم قرأته وآمنت بتكميله، ولكنها لم تقرأ كيف كان ليتم هذا، لأن هذه الكيفية لم تكن قد أُعلنت ولا حتى لنبي عظيم مثل إشعياء، ذلك أن إعلان مثل هذا السر كان يجب أن يخرج لا من شفتي إنسان بل ملاك. واليوم، ولأول مرة، نسمع القول: «الروح القدس يحلُّ عليكِ...»، إننا نسمعه ونُصدِّقه.
+ وقالت العذراء أيضاً: «هوذا أنا أَمَة الرب، ليكن لي كقولك». انظروا التواضع، انظروا التكريس، إنها تقول: ”أَمَة الرب“ وهي المختارة لتكون أُمَّه، وهذا الوعد غير المتوقع لم يجعلها ترتفع. وفي نفس الوقت وهي تقول ”أَمَة“، لم تطلب أي امتياز تبعاً لمثل هذه النعمة. إنها ستُكمِل ما تؤمَر به، لأن في مقابل ولادة الوديع المتضع لاقَ أن تكون أُمُّه مثالاً في الاتضاع. هذا القول يُعبِّر عن طاعتها وفيه ترون اشتياقها: «هوذا أنا أَمَة الرب»، تعني الاستعداد لخدمته؛ و«ليكن لي كقولك»، تُعبِّر عن الاشتياق الكامن لديها.
الزيارة النموذجية:
بديهي أن جميع مَن يريدون أن يُصدِّقوا، يُهيِّئون أسباب التصديق، وأيضاً الملاك الذي كان يُعلِن الأسرار أعلن لمريم، وهي عذراء، أُمومة امرأة مُسِنَّة وعاقر، مُشيراً بذلك أن الله يستطيع أن يفعل كل ما يسرُّه. فمنذ أن عرفت مريم، قامت - ليس عن نقص إيمان في النبوَّة، وليس عن غير يقينية في هذا الإعلان، وليس عن شكٍّ فيمَن أُعلِنَت قبلها؛ بل بمسرة اشتياقها، وكيما تُكمِل واجباً تقويّاً باجتهاد وفرح - وذهبت بسرعة إلى الجبال. إن نعمة الروح القدس لا تعرف الترتيبات البطيئة.
+ تعلَّمن أيتها العذارى ألاَّ تجرين إلى بيوت الآخرين، وألاَّ تنجذبن إلى مواضع معيَّنة بالذات، وألاَّ تنشغلن بمحادثات على الطريق العام. فمريم تمهَّلت في المنزل، ولكن أسرعت في الطريق. لقد لبثت عند نسيبتها ثلاثة أشهر، لأنها إذ أتت لتؤدِّي خدمة، كانت تؤدِّيها من كل قلبها. وبقيت ثلاثة أشهر ليس لمسرَّة الوجود في بيت غريب، ولكن لأنها لم تُرِد أن تَتَـنقَّل في الخارج.
+ تعلَّمن أيتها العذارى الرقة من مريم، وتعلَّمن أيضاً اتضاعها، فإنها تأتي كغريبة إلى قريبتها، وكصغيرة إلى كبيرتها؛ وليس فقط ذهبت إليها، بل كانت هي الأولى في تحيتها. فيليق حقاً أن تكون العذارى أكثر اتضاعاً بقدر ما تَكُنَّ أكثر عفة.
+ هناك أيضاً دافع آخر تَقَوي، بل وتعليم عقيدي: ففي الواقع ينبغي أن يأتي الكبير إلى الصغير ليُساعده، فمريم أتت إلى أليصابات، والمسيح إلى يوحنا، وأتى إليه أيضاً فيما بعد كيما يُقدِّس معموديته (مت 3: 13).
وللحال استُعلنت بركات مجيء مريم وحضور الرب: «فلما سمعت أليصابات سلام مريم، ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت أليصابات من الروح القدس...».
+ لاحِظوا دقة اختيار كل لفظ: فأليصابات هي أول مَن سمعت الصوت، ولكن يوحنا هو أول مَن شعر بالنعمة؛ فتلك سمعت طبقاً لنظام الطبيعة، أما هذا فتهلَّل تحت تأثير السرِّ؛ لقد أدركت هي وصول مريم، وأدرك هو وصول الرب؛ أدركت المرأة ما للمرأة، والطفل ما للطفل. تكلَّمت المرأتان بإرشاد النعمة، وحقَّقها الطفلان في الداخل وبلغا إلى سرِّ الرحمة لصالح والدتيهما؛ وبمعجزة مزدوجة تنبَّأت الوالدتان بإلهام طفليهما. فالطفل تهلَّل والأُم امتلأت. والأُم لم تمتلئ قبل ابنها، بل حالما مُلئ الابن بالروح القدس امتلأت منه الأُم أيضاً.
يوحنا تهلَّل وروح مريم بالمثل تهلَّلت، وفي تهليل يوحنا امتلأت أليصابات... لأن ذاك الذي لا نستطيع أن نُدركه عَمِلَ في أُمِّه بطريقة غير مُدركة. وأخيراً، فإن أليصابات امتلأت بعد أن حملت، أما مريم فقبل الحَمْل.
+ «مباركة أنتِ في النساء، ومباركة هي ثمرة بطنكِ. فمَن أين لي هذا، أن تأتي أُم ربي إليَّ؟» إن الروح القدس يعرف كلامه، والنبوَّة تتحقَّق، ليس فقط في الأعمال المعجزية، بل أيضاً في الأهداف الواضحة والخاصة جداً. فما هي ثمرة البطن هذه إلاَّ ذاك الذي قيل عنه: «البنون ميراث من الرب، أُجرة ثمرة البطن» (مز 126: 3). أو يُقال أيضاً: إن ميراث الرب هم الأبناء، المأخوذون من هذه الثمرة التي خرجت من أحشاء مريم. إنه هو ثمرة البطن، الغصن الذي نبت من أصل، حسناً تنبَّأ عنه إشعياء النبي قائلاً: «يخرج قضيب من جذع يسَّى، وينبت غصن من أصوله» (إش 11: 1). فالجذع هو جنس اليهود، والغصن هو مريم، وزهرة مريم هي المسيح، الذي هو - كثمرة شجرة صالحة، وتبعاً لتقدُّمنا في الفضيلة - يُزهر الآن ويُثمر فينا، ويلد الآن جديداً بالقيامة مَن يقبل الحياة في جسده.
+ «مِن أين لي هذا...؟» إنه ليس عن جهل تسأل أليصابات - فهي تعلم تماماً أن في سلام مريم أُم الرب، نعمة وفعل الروح القدس من أجل صالح ابنها - ولكنها تُقِرُّ أن هذه نتيجة ليس للاستحقاق البشري بل للنعمة الإلهية، وهي تقول أيضاً: «مِن أين لي هذا...؟» بمعنى: أيُّ نعيم صار إليَّ أنَّ مريم أُم الرب تأتي إليَّ. إني أقرُّ بأنه قد آل إليَّ بلا أي وجه حق، فمن أين لي هذا؟ ليس هذا أمراً مألوفاً بين النساء، أن تأتي أُم ربي إليَّ! إني أتوقَّع معجزة، إني أقرُّ بالسرِّ: ها هي أُم الرب مُخصبة بالكلمة.
+ «فطوبى للتي آمنت...»، أنتم ترون أن مريم لم تشكَّ بل صدَّقت، وبذا اقتنت ثمرة الإيمان. لقد قالت (أليصابات): «طوبى للتي آمنت...»، ولكن طوبى لكم أنتم أيضاً الذين تسمعون وتؤمنون! لأن كل نفس تؤمن، تحبل وتلد كلمة الله وتقرُّ بأعماله. فليت نفس مريم تكون قدوة في كل شيء كيما نُمجِّد الرب، وليت روح مريم تكون قدوة في كل شيء كيما نُعلي الله، فإنه وإن لم توجد إلاَّ أُم واحدة للمسيح حسب الجسد، فإن المسيح بالإيمان يمكن أن يكون ثمرة للجميع، لأن كل نفس يمكن أن تقبل كلمة الله بشرط أن تحفظ العفة بلا عيب وتتحفظ من الرذائل في طهارة كاملة.
+ إذن، فكل نفس تبلغ إلى هذه الحالة تُعظِّم الرب! كما عظَّمت نفس مريم الرب وكما تهلَّلت روحها بالله مخلِّصها.
في الواقع إن الرب يتعظَّم هكذا، كما قرأتم في موضع آخر: «عظِّموا الرب معي» (مز 33: 4). ليس إن كلام الإنسان يمكن أن يُضيف شيئاً إلى الرب، ولكن لأنه يكبر فينا، لأن المسيح هو «صورة الله» (2كو 4: 4؛ كو 1: 15)، وعلى ذلك فكل نفس تصنع عملاً ببرٍّ وتقوى، تُعظِّم صورة الله هذه، التي خُلِقت على مثالها. وعلى ذلك أيضاً فهي تُشارِك، بصورةٍ ما، وهي تُعظِّمه، في عظمته وتوجد مرتفعة فيه.
إنها تبدو في نفسها كنسخة مُستخرجة من هذا الأصل بالألوان الباهرة التي للأعمال الصالحة، وكما لو كانت تُحاكيها بالفضيلة.
وعلى ذلك، فنفس مريم تُعظِّم الرب، وروحها تتهلَّل بالله، لأنه إذ هي مُكرَّسة نفساً وروحاً للآب والابن، فإنها توقِّر بحبٍّ تَقَويٍّ الله الواحد، الذي به جميع الأشياء الكائنة (1كو 8: 6). +
م ن ق و ل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق