القديس يوحنا الذهبي الفم
يوحنا فم الذهب، أو يوحنا ذهبي الفم: يرسم لنا هذا الأب، بسيرته وعظاته وكتاباته أيقونة حيّة لحياة الكنيسة التي لا يحصرها زمان، ولا يطويها تاريخ. ففي سيرته نختبر الكنيسة السماوية المتهللة، المُعاشة على الأرض وسط الآلام. فقد أحب يوحنا الحياة الملائكية، وعشق البتولية، ومارس التسبيح والترنيم، وانطلقت نفسه من يومٍ إلى يومٍ نحو الأبديات. لكنه في هذا كله لم يتجاهل الواقع كإنسان يحمل جسدًا ويسكن على الأرض بين البشر، لذا مارس إيمانه بالأبدية خلال واقع عملي، سواء في بيت أمه، أو ديره أو وحدته أو في دار الأسقفية كاهنٍ أو أسقفٍ، على منبره وسط استحسانات الجماهير أو في منفاه.
لله در النساء:
St-Takla.org Image: Saint John Chrysostom Icon
صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة حديثة تصور القديس يوحنا ذهبي الفم
في إنطاكية إذ كان ليبانيوس Libanios أعظم خطباء عصره يحتضر، التف حوله تلاميذه يسألونه عمن يخلفه، فتنهد الفيلسوف الوثني قائلاً: "يوحنا لو لم يسلبه المسيحيون منّا!" فقد اكتشف هذا الفيلسوف السوري مواهب تلميذه يوحنا وفصاحته، وكان يأمل أن يسلمه قيادة مدرسته من بعده، غير أن كنيسة بيته كانت أقدر على جذب قلبه! لقد مات الوالي سكوندس Secondus قائد الجيش الروماني migidter militum بسوريا، تاركًا زوجته أنثوسا Anthusa في السنة الرابعة من زواجها وهي لا تزال في ريعان شبابها وبهجة الجمال مع وفرة الغنى. تركها في العشرين من عمرها فحام الشبان حولها يطلبون ودها، لكنها وضعت في قلبها أن تكرس حياتها لخدمة طفليها: ابنتها التي سرعان ما انتقلت، ورضيعها يوحنا الذي وُلد بمدينة إنطاكية نحو سنة 347م. لقد كرست أنثوسا حياتها في جديّة لتربية طفلها، لينشأ غصنًا حيًا وفعّالاً في كرم الرب. ولقد لمس جميع معارفها من مسيحيين ووثنيين ما فعلته هذه الأم في حياة ابنها، حتى اضطر الفيلسوف الوثني ليبانيوس أن يشهد عنها قائلاً: "لله درّ النساء عند المسيحيين!"
ثقافته:
تشرب يوحنا روح الحق على يدي أمه التقية التي أرضعته لبن تعاليمها منذ الطفولة. لكنها لم تكتفِ بهذا بل اجتهدت في تثقيف عقله بالعلوم والمعارف، فأودعته لدى ليبانيوس يتدرب على البلاغة والمنطق، ولدى أندروغاثيوس Androgathius يدرس الفلسفة. نبغ يوحنا نبوغًا فريدًا، وأعجب به كثيرون، فتنبأ الكل له بمستقبلٍ باهرٍ ومركزٍ سامٍ. وأحس هو بذلك فأراد إظهار قدراته ومواهبه بممارسته المحاماة نحو عامين. كان يرفع إلى القضاء دعاوى المظلومين والفقراء ببلاغة وفصاحة، حتى صار يوحنا محط آمال الكثيرين والكثيرات، يتوقعون له منصبًا قضائيًا في وقت قصير. أما هو فإذ تبسّمت له الدنيا انجذب إلى ملاهيها ومسارحها وأنديتها، لكن تعاليم أمه بقيت حيّة في داخله، فكان بين الحين والآخر يتوق لو كرس حياته للفلسفة الحقة فيمارس الإنجيل ويعيش من أجل الأبدية. مضى إلى مدينة أثينا وتعلم الحكمة اليونانية في إحدى مدارسها وفاق كثيرين في العلم والفضيلة.
مع رفيق الصبا باسيليوس:
كانت يد الله تعمل في حياته، فبعثت إليه صديقه القديم، رفيق الصبا، باسيليوس، الذي كان يسلك بحياة إنجيلية تقوية، الذي روى عنه يوحنا نفسه قائلاً: "مال الميزان بيننا، فعَلَتْ كفّته، وهبطت كفتي تحت ثقل شهوات هذا العالم والأهواء التي ينغمس فيها الشباب". بدأ باسيليوس يستميله نحو حب الله، فانجذب يوحنا، واشتاق لو كرس كل حياته للتعبد ودراسة الكتاب المقدس، فترك المحاماة وتلقفه مليتيوس Meletius أسقف إنطاكية الأرثوذكسي، وتلمذه ثلاث سنوات، ثم منحه سرّ العماد حوالي عام 369م أو 370م، وهو في حوالي الثالثة والعشرين من عمره، وكان العماد بداية انطلاقة روحية جادة. إذ يقول عنه بالاديوس Palladius أنه منذ ذلك الحين "لم يحلف قط، ولا افترى على أحد ما، ولا نطق بكلمة باطلة، ولا سبّ ولا حتى سمح بأي مزاح طريف".
الشرارة تلتهب!
St-Takla.org Image: Saint John Chrysostom ancient fresco mosaic
صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة فسيفساء فريسكو تصور القديس يوحنا ذهبي الفم
انجذب الأسقف مليتيوس إلى جمال شخصيته، وسمح له بمرافقته على الدوام، مدركًا بعين النبوة ما يكون عليه. وأقامه قارئًا أو أغنسطسًا Anagnostes عام 270. حلت عليه نعمة الله فوضع ميامر ومواعظ وفسر كتبًا كثيرة وهو بعد شماس.
تأجيل رهبنته:
لم يكن يحتمل صديقه باسيليوس مفارقته لحظة واحدة. كان يحثه على الدوام أن يتركا بيتهما ويسكنا معًا أو يلتحقا بالدير، لكن نحيب أمه المستمر عاقه عن تلبية طلبه. ففي طاعة أذعن يوحنا لتوسلات أمه الأرملة التقية ودموعها، إذ رأى من الحكمة أن يخضع لها ويطيعها، فقد تركته حرًا يتفرغ للعبادة والتأمل والدراسة، ممارسًا حياته النسكية الإنجيلية بغير عائقٍ. فإن كانت ظروفه لا تسمح له بالدخول في الحياة الرهبانية الديرية، لكن الرهبنة ليست مظهرًا إنما هي في جوهرها حياة داخلية يستطيع يوحنا أن يمارسها في العالم حتى يشاء الله له أن ينطلق في الوقت المناسب! للحال حوّل يوحنا بيت أمه إلى شبه قلاية، لا بالاسم أو الشكل، لكن فيه انعزال عن الاهتمامات الزمنية ليمارس "وحدته مع الله" ودراسته في الكتاب المقدس. عاش يوحنا ناسكًا، يحب الله ويهيم في التسبيح له، يكثر الصلاة ويقلل الطعام، يفترش الأرض وينام القليل، ممارسًا السكون في بيته ليرتفع قلبه نحو السماء، مختبرًا "الحديث مع الله". لعله في هذه الفترة التقى بالأب ثيودور الذي كان رئيسًا لجماعة رهبانية بجوار إنطاكية ومعلمًا لمدرسة إنطاكية يدافع عن قانون الإيمان النيقوي ضد الوثنيين والهراطقة، مقتبسًا منه منهجه الحرفي والتاريخي في تفسير الكتاب المقدس، والذي انضم لجماعته فيما بعد.
هروب من الأسقفية:
كان يوحنا بلا شك على اتصال دائم على الأقل بإحدى الجماعات الرهبانية، ليختبرها في بيته. حيث بدأت رائحة المسيح الذكية تفوح في قلبه بقوة وانطلقت في بيته انجذب الكثيرون اليه، أما هو فكان حريصًا على "الوحدة" واذ خلا كرسيان في سوريا اتجهت الأنظار حالاً نحو يوحنا وصديقه باسيليوس ليتسلما العمل الرعوي. قال يوحنا: "شاع بغتة خبر أزعجنا كلينا، أنا وباسيليوس، وكان حديث القوم أن نرقى إلى المقام الأسقفي. حين وقفت على هذا النبأ، أخذ مني الخوف والقلق كل مأخذ كنت أخشى أن ألزم على قبول السيامة الأسقفية، وبقيت مضطربًا..." إذ التقى بصديقه باسيليوس لم يكشف له شيئًا، ليس خبثًا، لكن من أجل خير الكنيسة. (ستجد المزيد عن هؤلاء القديسين هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام السير والسنكسار والتاريخ). ربما تحادثا معًا في العمل الأسقفي وبركة البحث عن الخراف الضالة في صدق وأمانة، فحسب باسيليوس في هذا الحديث موافقة ضمنية على قبول السيامة. خاصة أنه يعلم أكثر من غيره ما يكنه قلب يوحنا صديقه من شوق جاد نحو خدمة النفوس. رضخ باسيليوس للسيامة متوقعًا بفرحٍ سيامة صديقه يوحنا، ليعملا معًا بروح واحد، يسند أحدهما الآخر. لكن جاء دور يوحنا فاختفى في الجبال الأمر الذي أحزن قلب باسيليوس، فاضطر أن يكتب اليه يؤنبه على فعله هذا وخداعه له، أو ما يسميه خيانة العهد. لم يرد يوحنا أن يترك صديقه متألمًا، فكتب إليه فيما بعد مقالاً غاية في الابداع، يكشف له عن حقيقة موقفه بروح صريح واضح، تواضع مع محبة وعلم غزير... ألا وهو مقاله "عن الكهنوت De Sacredotio" المؤلف الذي يغذي أجيالاً من الكهنة والخدام. كتب في بلاغة بروحانية صادقة، فبكل تواضعٍ يروي في غير خجل أن توقفه عن دخول الدير سره دموع أمه، ثم عاد يتحدث عن العمل الكهنوتي كعملٍ الهيٍ فائقٍ، هو عمل السيد المسيح نفسه، العامل في كهنته. وفي غير خجل يعلن شوقه للخدمة بل وشهوته لها، فهو لم يهرب إلى الجبال هربًا من الأسقفية، لكنه مع شوقه لها يشعر بعدم أهليته! رهبنته هدأت عاصفة رسامته أسقفًا فعاد إلى الظهور في إنطاكية، لكن سرعان ما تنيّحت والدته فخلا له السبيل إلى الانطلاق نحو الحياة الديرية بجوار إنطاكية، يسعد بأربع سنوات من أعذب أيامه، يقضيها في التأمل والصلاة والدراسة تحت قيادة شيخ مختبر يدعى ديؤدور، والذي يعتبر أحد مؤسسي مدرسة إنطاكية اللاهوتية، وقد رسم أسقفًا على طرسوس فيما بعد . وكان يزامله صديقاه منذ الدراسة عند ليبانيوس وهما ثيؤدور الذي صار أسقفًا على الميصة Mopsuestia ومكسيموس الذي صار أسقفًا على كيليكية . على أى الحالات، فهؤلاء في مجموعهم لا يمثلون مجرد مجموعة نسكية بل وأيضًا جماعة دراسية، وضعوا على عاتقهم تفسير الكتاب المقدس بالمنهج الأنطاكي، ألا وهو المنهج اللغوي أو الحرفي، التاريخي. يقوم هذا المنهج على التفسير البسيط حسبما تشرحه اللغة، لذا دعي "المنهج اللغوي أو الحرفي". كما قام على تأكيد الحقائق التاريخية كما وردت في الكتاب المقدس كحقائق واقعية وليست أعمالاً مجازية رمزية، لذا سمي أيضًا باالمنهج التاريخي. كان بالدير رجل عابد حبيس سرياني اسمه أسوسينوس أبصر في إحدى الليالي الرسولين بطرس ويوحنا قد دخلا على الذهبي الفم فدفع له يوحنا إنجيلاً وقال له: "لا تخف، من ربطته يكون مربوطًا ومن حللته يكون محلولا"، فعلم الشيخ الحبيس أنه سيصير راعيًا أمينًا.
أعماله الكتابية في الدير:
St-Takla.org Image: Saint John Chrysostom ancient fresco mosaic
صورة في موقع الأنبا تكلا: لوحة فسيفساء فريسكو تصور القديس يوحنا ذهبي الفم
1. إذ انطلق يوحنا إلى الدير تهللت نفسه فيه، أحس أنه في السماء عينها. وقد بقيت أحاسيسه هذه تلازمه كل أيام خدمته، إذ نجده تارة يقول "بالنسبة للقديس اللجوء إلى الدير هو هروب من الأرض إلى السماء!" وأخرى يصف الراهب في قلايته: "كأنما يسكن عالمًا آخر، هو في السماء بعينها. لا يتحدث إلا في السماويات. عن حضن ابراهيم وأكاليل القديسين والطغمات المحيطة بالمسيح". على أي الحالات فإنه في فرحة قلبه أراد أن يجتذب بعض أصدقائه من إنطاكية، خاصة ثيؤدور للحياة الرهبانية، فسجل لنا مقاله الأول: "مقارنة بين الملك والراهب
Comparatio regis et monachi ". 2. في عام 373 كان غضب فالنس قد جاش على الأرثوذكس، فألزم نساكهم ورهبانهم على الخدمة العسكرية والمدنية، واعتبر بعض المسيحيين في النسك ضربًا من الجنون، وقامت حملات عنيفة ضد الرهبنة مما أضطر يوحنا أن يخط ثلاثة كتب تحت اسم Adverssus oppugnatores vitae monastiac يهاجم أعداء الرهبنة ويفند حججهم، محمسًا الآباء أن يرسلوا أولادهم إلى الرهبان لينالوا تعليمًا علميًا ويمارسوا حياة الفضيلة .
3. انجرف صديقه ثيؤدور وراء شهوته فأعجب بامرأة جميلة تدعى Hermoine، فترك طريق الرهبنة وأراد الزواج منها، لكن يوحنا أسرع فكتب رسالتين لصديقه "Paraeneses ad Theodorum lapsum" يدعوه فيهما للتوبة والعودة إلى الحياة الرهبانية.
4. تعزية ستاجيريوس Ad Sirium a daemone vexatum: كتب مقاله هذا في ثلاثة كتب موجهة إلى راهبٍ شابٍ، يشجعه في تجربة قاسية حلت به. لقد انهمك ستاجير في ممارسة نسكية عنيفة، وأصيب بنوبة صرع، وحكم عليه البعض أن به روحًا نجسًا.
نحو الوحدة:
عاش يوحنا أربع سنوات في الدير يمارس حياة الشركة، يحسبها أجمل فترات عمره. لكن كتاباته الرهبانية التي سجلها لجذب أصدقائه نحو الدير أو لدفاعه عن الرهبنة والرهبان سحبت أنظار الناس اليه، فانفتحت قلايته لهم وأفقدوه فترات هدوئه. أما كتاباته لثيؤدور وستاجير فقد كشفت للكنيسة عن موهبته في الخدمة، والتهاب قلبه بخلاص الآخرين، وحكمته في رعايتهم. لم يجد بدًا الا أن يهرب من المجد الباطل إلى "الوحدة" يمارس حياة أكمل. انطلق إلى الوحدة كما يقول بالاديوس ثلاث دفعات، في كل مرة قضى ثمانية شهور حارمًا نفسه من النوم بصفة تكاد تكون مستمرة، يدرس انجيل المسيح بشغف. خلال هذين العامين لم يستلقِ نهارًا ولا ليلاً. فانهارت طاقته وأصابه نوع من الفالج. فأحس بعجزه عن الاستفادة من هذه الحياة وعاد إلى الكنيسة بإنطاكية.
شموسيته:
حوالي عام 381م عاد يوحنا إلى إنطاكية، فتلقفه أسقفها ميليتوس بفرح عظيم، ورسمه شماسًا رغم معارضته. وسط الخدمات الطقسية والخدمات الاجتماعية الكنسية كان يوحنا يقتنص كل فرصة للدراسة والكتابة، فإن كان ليس من حقه كشماس أن يعظ انشغل بالكتابة في نوعين: كتب دفاعية وأخرى لها مسحة نسكية.
مقالان دفاعيان:
كتب مقاله عن "القديس بابيلاس وضد يوليانوس"، موجهًا للأمم De S.Babyla s,contra Julianum et Gentiles . والمقال الثاني "ضد اليهود والأمم مبرهنًا على لاهوت المسيح Contr Judaeos et Gentiles quod Christian sit deus. بدأ يكتب أثناء دياكونيته عن الحياة المسيحية في إتجاه نسكي: عن البتولية وعن الندامة De Compunctione، وإلى أرملة شابه، والزواج الوحيد، والمجد الباطل وتربية الأطفال liberis De inani gloria et de educandis.
قسوسيته:
دُعي الأسقف ميليتوس لحضور المجمع المسكوني بالقسطنطينية، فاصطحب معه الكاهن فلافيان، ووكل شئون الكنيسة بإنطاكية في يدي شماسه القديس يوحنا. وفي أثناء انعقاد المجمع تنيّح الأسقف مليتيوس فبكاه يوحنا بكونه أباه ومرشده. أجمع آباء إنطاكية على رسامة فلافيان [فلابيانوس] خلفًا له، وهذا بدوره قام برسامة يوحنا كاهنًا.
عظات التماثيل:
بدأت شهرة يوحنا الذهبي الفم بمجموعة العظات التي ألقاها في إنطاكية عام 387م، سميت "عظات التماثيل" لها قصة في حياة كنيسة إنطاكية.
St-Takla.org Image: Saint John Chrysostom icon (St. Youhanna Thahaby Al Famm)
صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة تصور القديس يوحنا فم الذهب (سانت جون كريسوستوم)
ففي عام 387م شرعت الحكومة المركزية أن تتهيأ للاحتفال بمرور عشر سنوات على حكم الإمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير وخمس سنوات على اشتراك ابنه الشاب أركاديوس معه في السلطة. ولما كانت مثل هذه الاحتفالات تحتاج إلى بعض المال صدر أمر امبراطوري بفرض ضريبة جديدة إضافية، الأمر الذي استاءت منه كل المملكة، لكن لم يستطع أحد أن يعترض. أما في إنطاكية فقد حدث أثناء قراءة القرار في الميدان أن عبَّر بعض الحاضرين عن شعورهم بالاستياء، لكن الوالي أبى أن يصدر أمره للجنود بالهجوم على شعب أعزل. وقد انتهز بعض دعاة الفتنة هذه الفرصة فأخذوا يصرخون مطالبين الأسقف فلافيان بالتدخل لوقف القرار، وغالبًا كان هؤلاء من أتباع بولينوس أي من جماعة الاستاسيين، يريدون إثارة خلاف بين الإمبراطور والحكام مع الأسقف! وسط جموع شعبية تضم من كل صنف سرعان ما سرت هذه الصرخات لتثمر بينهم هياجًا فثورة. وفي لمح البصر، دون أي تفكير وبغير أي ضابط انطلق البعض يحطم تماثيل الإمبراطور والإمبراطورة وابنهما، ورموها في الأوحال والقاذورات. كل هذا تم في لحظات مملوءة ثورة حماسية تبعها هدوء، حيث أفاقوا من سكرتهم وأحسوا ببشاعة جريمتهم، وباتوا خائفين يتوقعون مصيرهم ومصير مدينتهم من عقاب شديد. فقد ارتبكت المدينة بأسرها، كبيرها مع صغيرها، ولم يعرف أحد ماذا يكون العمل. وجد الأب الأسقف فلافيان نفسه ملتزمًا أن يتدخل لدى الإمبراطور، يهدئ من غضبه �تجاه المدينة، أما عظماء الوثنيين ووجهائهم فقد خافوا على أنفسهم ولم يجسروا أن يفعلوا شيئًا، الأمر الذي أساء إلى نفوس الوثنيين ،
أسرع الأب البطريرك إلى القسطنطينية، لكن الخبر كان أسبق منه، بلغ إلى الإمبراطور، فأرسل قائدين من عنده وأعلنا سقوط امتيازات المدينة ونقل العاصمة إلى اللاذقية، كما أغلقا الأندية والمسارح، وألقيا القبض على بعض وجهاء المدينة الذين حامت الشبهات حولهم، فصودرت ممتلكاتهم وطردت نساؤهم من بيوتهن.
كما أعلن القائدان اصدار الأمر بحرق المدينة وقتل كل شعبها، لولا تدخل بعض النساك والرهبان، ومن بينهم الناسك مقدونيوس. فقد نزلوا من الجبال والأديرة والتقوا بالقائدين وطلبوا منهما الانتظار حتى يمكن تقديم شفاعة لدى الإمبراطور ،في ذلك الوقت بينما كان الأب البطريرك في طريقه إلى القسطنطينية رغم كبر سنه وارهاقه بالصوم إذ كان الوقت الأربعين المقدسة، وكان الرهبان والنساك يتضرعون لدى القائدين بإنطاكية، كان الناس مذعورين يسمعون من يوم إلى يوم إشاعات متعارضة، تارة يتوقعون العفو وأخرى يهددهم الموت.
فهرعوا إلى الكنيسة ليقتنصهم الكاهن يوحنا بعظاته، فينثر من درر قلبه وفمه أحاديث فيّاضة تنعش قلوبهم المنكسرة، وتشدد عزائمهم الواهية، تدفعهم إلى التوبة والرجوع إلى الله، ليس خوفًا من موت الجسد أو خسارة ممتلكات أرضية، وإنما شوقًا إلى نور الأبدية خلال مراحم الله غير المتناهية ، لقد ألقى الأب في بداية خدمته الوعظية هذه السلسلة من العظات الخالدة [21 عظة] التي وجهت أنظار إنطاكية بل وخارج إنطاكية إليه.
(يُكتَب أيضاً: القديس يوحنا ذهبي الفم، القديس يوحنا فم الذهب، القديس يوحنا ذو الفم الذهب
††††††††††††††††††††††††
[OVERLINE] السيرة من مصدر آخر[/OVERLINE]
St-Takla.org Image: Icon of the Three Holy Hierarchs - Sts. Basil the Great, John Chrysostom and Gregory the Theologian (left to right)
صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة تصور الآباء العظام: (من اليسار إلى اليمين) القديس باسيليوس الكبير - القديس يوحنا ذهبي الفم - القديس غريغوريوس اللاهوتي
عظات التماثيل:-
و هى ترجع إلى إمبراطور ذلك العصر ثيئودوسيوس الكبير عندما عمل حفله كبيره لأبنه و حدث أن الشعب تذمر و كسر التماثيل و لكن الإمبراطور غضب و خاف الشعب من الإمبراطور لقسوته فأخذ القديس يوحنا يردهم إلى الإيمان و بذلك اشتهرت عظاته بهذا الاسم عظات التماثيل نيبة إلى تمثال الإمبراطور و ابنه الذى أراد أن يحتفل بمرور عشر سنوات على ملكة للحكم و فرض ضرائب على الشعب الذى تذمر بعد ذلك عليه.
و تنيح أسقف القسطنطينية و أقيم القديس يوحنا مكانه و لما اشتهر به يوحنا ذهبى الفم " هو عقيدته الشهيرة من موقفه من الحق اٌلهى و موقفه من الاخوة الطوال:
الأخوة الطوال و هم طوال فعلاً و كانوا أربعة أخوه و من صحبتهم واحد أسقف كان على المنيا.
و نتريا إحدى مناطق التجمعات الرهبانية و كان هؤلاء الأربعة منها و نتريا هى من أحد المناطق الموجودة فى وادى النطرون المناطق
1- نتريا 2- القلالى 3- شهيت
و هؤلاء الاخوة الطوال من نتريا و كانوا محبين للعلامة أوريجينوس متتلمذين على كنيسته.
و البابا ثاؤفيلس كان محباً أيضا لاوريجينوس و لكنه اختلف مع الأخوة الطوال الذين كانوا يخدمون معه و كره اوريجينوس و من معه و لكنه اتلوا الشكوك البابا ثاؤفيلس مع اخوتهم الرهبان الذين فى نتريا و أرسل لهم البابا ثاؤفيلس الوالى ليقبض عليهم فغضبوا من ذلك و هربوا منه و ذهبوا إلى انطاكية و اشتكوا البابا ثاؤفيلس للأمبراطور و تقابل معهم القديس يوحنا فم الذهب و عرف الخلاف و هداهم و أرسل خطاب إلى البابا ثاؤفيلس ليهدئهم و لكن البابا ثاؤفيلس رد عليهم برد خاطئ و غير لطيف و قال له أنا حر فى ما أعمله و لا تتدخل فغضب جداً القديس يوحنا فذهب الأخوة للإمبراطور و كانت افدوكسيا بنت بوليكاريا هناك فاستدعت البابا ثاؤفيلس و طلبت محاكمته و الذى يحاكمه هو القديس يوحنا فم الذهب و البابا ثاؤفيلس قد عقد مجمع و أرسل إلى ابيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص و حرم كتابات اوريجينوس و فيما ذاهب البابا ثاؤفيلس ليحاكم أمام القديس يوحن و افدوكسيا و فيما هوذاهب حدث خلاف بين القديس يوحنا و بين افدوكسيا لأنها أقامت تمثالاً كبيراً فى ميدان بقرب كلية أجيا سوفيا بإنطاكية و كان حول التمثال أقيمت الحفلات و الرقص و الغناء فوبخها القديس يوحنا على ذلك فغضبت الملكة و جعلت العكس فجعلت البابا ثاؤفيلس هو الذى يحاكم القديس يوحنا فم الذهب وذلك فى مجمع السنديان نسبة إلى مدينة سنديان وهناك فى المجمع حدث عجائب للقديس يوحنا فم الذهب أظهرت فيها فداسته فاغتاظت الملكة جدا فسجنته فى منفى بعيدا فى منطقة بوكازا وأمرت بتعذيبه كثيرة ونفته بعد ذلك إلى مكان ابعد من بوكازا وبلغت القسوة إلى أنه كان يمشى حافى القدمين إلى أن مرض بمرض الحمى وتعب تعبا شديدا حتى مات فى منفاه وذلك كان فى سنة 440 ميلاديا فى منتصف القرن الخامس.
(لا يتسطيع أحد أن يؤذى الإنسان مال يؤذى الإنسان نفسه)
وتنيح القديس يوحنا فم الذهب قبل انقسام الكنيسة.
+ عائلة ثيئودوسيوس:
كل إمبراطور يسمى ثيئودوسيوس
ثيئودوسيوس الكبير: - الذى حضر مجمع القسطنطينية.
ثييئودوسيوس الصغير: - عاصر مجمع أفسس الأول والثانى.
ثيئودوسيوس الكبير : - الذى عاصر القديس يوحنا فم الذهب.
اتروبيوس: - كل من مؤيدى الإمبراطور.
غيناس: كان من مؤيدى الإمبراطور وكانوا منافيين لبعضهم حتى أن أتروبيوس قتل بخيانته.
غيناس: كان رجل بربرى وغنىفاحش فى الخطية لأنه كان فقيرا وأصبح غنيا وطلب كنيسة ليصلى فيها ولكن يوحنا فم الذهب رفض طلب الإمبراطور له بإعطاء غيناس كنيسة وطلب محاضرته وفى وقوفه أمامه وبخه قائلا له كيف أعطيك بيت الله لتعبث به ونسطوربون فاغتاظ وأرد أن يجدف قصد يوحنا فم الذهب ولكن الملائكة دافعوا عنه إذ أن لم يستطيع أن يفعل شئ ضده.
وكان يوحنا فم الذهب معروف بالحق الإلهى ولا يقبل الربا وأراد الإمبراطور أن يقتل أتروبيوس وهاج عليه الشعب لينتقم منه فذهب اتروبيوس إلى الكنيسة واحتمى بالمذبح واستيبل يوحنا هذا الموضوع ودخل إليه ووعظه قائلا الكنيسة تحبك.
+ الوالى ورلاسيوس:
أختلس من امرأة 500 دينار ولكن القديس منع الوالى من الخروج وعلمت افدوكسيا بذلك فأرسلت جنودا ليخرجوه ولكنهم لم يستطيعوا لأن ذهبى الفم كان محمى بالملائكة فاضطرت إلى إرسال المبلغ إلى المرأة إلى أن سمح له القديس يوحنا بالخروج.
+ اغتصبت الإمبراطورة حقلا من امرأة فأرسل لها يوحنا فم الذهب لكى ترجع الحقل إليها ولكنها لم تستجيب له فاستغل القديس دخولها الكنيسة فاغلق عليها الباب ولكن أحد الجنود أراد أن يفتح الباب ولكن يده يبست فخافت افدوكسيا واضطربت ولم يشفى إلا بعد أن صلى عليه القديس يوحنا فم الذهب وأرجعت افدوكسيا الحقل للمرأة.
القديس غريغورس الثيئولوغوس: - (من أهمهما).
ولد سنة 330 م فى مدينة نيزانزا وكان والد غريغوريوس أسقفا عليها وأمه تفقيه تدعى نونا وهى التى تعبت كثيرا فى تربية ابنها وكانت أم مثالية وكل اللآلئ لا تساويها وأثرت فى زوجها غريغوريوس قبل أن يصير أسقفا حتى صار أسقفا وخدمته على تأديه رساالته وأنجبت قديسا خدم الرب بكل تقوى هو القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات.
صداقة القديس غريغوريوس للقديس باسيليوس الكبير.
تعرف عليه فى قيصريه الكبادوك ومنها إلى فلسطين ومنها إلى الإسكندرية ومنها إلى أثينا فالتقى بالقديس باسيليوس هناك فاتفقوا على الحياة النسكية هناك وفى الطريق من الإسكندرية إلى أثينا عصفت بهم الأمواج وكادت أن تغرقهم فخاف القديس لأنه لم يكن قد تعمد بعد ونذر حياته للرب إذا ما نجاه من الغرف وفعلا نجاه وكرس حياته للرب وعاش القديس باسيليوس وغريغوريوس فى صداقه قويه ومكث فى أثينا ممدة تتراوح ما بين 10 إلى 12 سنة ورجع إلى نزايزا وهو فى سن الثلاثين تقريبا وعاش القديس غريغوريوس حياة الفضيلة .
ورأى حلما فتاتين جملتين لابستين ثيابا بيضاء فقالت واحدة أنا العفة والأخرى أنا الحكمة ولما استيقظ القديس نومه عشق العفة والحكمة.
فمنذ ذلك اليوم لم يتذوق إلى شئ غير الصلاة وقراءة الكتب المقدسة والحياة الروحية.
مديح للقديس ابو سيفين
تعالوا نتهلل بالألحان ونرتل للفادي الديان
في عيد شهيد بطل الأيمان فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
أبو سيفين بطل مغوار له قصة تلحن بالأوتار
شجاع صامت لا يهاب النار فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
والده كان صياد في الصحراء صار بشجاعته من الأمرا
عاش بين أكابر و وزراء فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
صار الوالد بعماده نوح وألام سفينة مملؤة بالروح
وملاك أعطاه اسما ممدوح فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
و شفيع العيلة الملاك ميخائيل قادها في خوف عمانوئيل
ثمرتها هذا البطل النبيل فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
فروسية تعلم و هو شاب ولذا اسند له عمل الأب
وتعاظم فصار أركان حرب فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
افزع داكيوس حرب البربر فجمع جنوده و العسكر
رئيسهم ثابت لا يتكدر فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
لا تخشى يا قيصر من أعدائك الهي قادر يعطيك مناك
بهلاكهم علي يد فتاك فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
ميخائيل أعطاه سيفا من نار قائلا إذا أهلكت البربر
لا تنسي إلهك يا مختار فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
دخل الحرب بقوة و أيمان و في يديه يلمع سيفان
خارت الأعداء اسفل الحصان فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
بسرعة انحلوا و زالوا وجنود رومية هتفوا و قالوا
أميرنا قد نصره إلهه فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
أعطى الملك رتب و نياشين و كرامات للرؤساء القادمين
اكثرها لبطله أبي سيفين فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
دعاهم الكافر للسجود و التبخير لابولون المعبود
تخلف عنهم وصارفي صمود فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
أنا لا اسجد لحجر و ذهب الهتك لم تنفع في الحرب
نزع المنطقة مع الرتب فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
الهي و معبودي يسوع له القربان و بخوره مرفوع
أنا اسجد أمامه بخشوع فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
علي الصليب هو فداني من الجحيم قد نجاني
لا أنكره و اترك إيماني فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
دهش داكيوس و طلب إليه بوعود براقة اثني إليه
وعدك فاني لا انظر إليه فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
لا تخالف و قدم الطاعة لئلا تهان وسط الجماعة
شهيدنا رفض قوله بشجاعة فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
أمر بجلده أمام العسكر بالهنبازين عظمه تكسر
كشطوا جلده فلم ينكر فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
مدوه علي اسياخ حديد والنار علي جنبيه تقيد
ذاق عذبات مره هذا الشهيد فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
وضع في الحبس بأمر الممقوت فشفاه ملاك و ذاق الملكوت
من يؤمن بيسوع لا يموت فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
ربه أقامه صرخ جنوده له نسجد و نحن عبيده
لا نهاب الموت بل معه نريده فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
في قيصرية اخذ الأكاليل بعد إن عزاه عمانوئيل
قبل إلام السيف بتهليل فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
شهادته في خمسة وعشرين هاتور ترك الدنيا و سكن في النور
من يشفع به لا يخور فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
ينادي له كل المؤمنين بداله يصيحون قائلين
انجدنا يا اله أبو سيفين فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
اللهم يرحمنا بصلاتك ويهدينا لنسلك في صفاتك
و يزيد أفرحنا ببركاتك فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
في تسعة بؤونة له تذكار عيد دخول عضوه لمصر بتماجيد
ذخيرة ثمينة تمنح تجديد فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
كم شفي مرضي و فتح عميان وأنقذ أولاده من الشيطان
قاضي ماهر ينصف ببيان فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
وله أيضا ذكري تطيب في خمسة و عشرين من ابيب
تدشين كنيسة الحبيب فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
انطونيوس كبير القديسين كان يصلي في بلده لسنين
في كنيسة الشهيد أبى سيفين فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
هو شفيع قوي للعذارى كالقديسة دميانة البارة
وجميع من يسلك بطهارة فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
نجنا من شر بذياقولوس كما خلصت الأب باسليوس
وقتلت الجاحد يوليانوس فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
ثبتنا يا رب علي الأيمان شدد سواعد الكسلان
نغلب فقد فاز ببيان فـيــــلوباتيـــــر مرقوريوس
++القديس ابو فانا المتوحد++
+ ولد القديس أبو فانا في ممفيس سنة 355 ميلادية من أبوين تقيين وبارين ، وكانا غنيين في النعمة والثروة فكانا يمتلكان أموالاً كثيرة، فقد نشأ في بيت شريف وأسرة تقية، فنشأ في حياة القداسة وصلابة الايمان ودفء الحياة المسيحية، مما كان له أعظم الأثر في حياته المبكرة فمنذ طفولته استقى الكتب المقدسة وتعاليم الكنيسة (2تي 3 :15) تعلم القديس حياة الصلاة والصوم والعطف على الفقراء فقد كان والداه يصنعان صدقات كثيرة، فأحب الرب ووصاياه منذ طفولته ، ولما بلغ سن الشباب لم يكن مثل أقرانه في القرية، إذ كان يقضي وقته في الصلاة والتسبيح وعاش حياة الطهارة وأحبها ، وكان بالحقيقة إناء نقياً مقدساً لسكنى الروح القدس فيه ، وكان طويل القامة هادئ الوجه وكانت نعمة الله حالة عليه ، وكان كل من يراه يحس بالراحة في نفسه ويدخل السلام إلى قلبه ، وكان يوماً بعد يوم ينمو في النعمة والقامة وتتزايد أشواقه بمحبة شديدة لطرق الرهبنة.
+ سطعت أنوار الكاملين في الصعيد فقد ازدهرت الحياة الرهبانية وتزايدت جماعات الرهبان والمتوحدين، وصارت كأشجار خضراء مثمرة أمتلأ بها بستان الرهبنة في مصر العليا، وانتشرت فضائلهم وتناقلتها الأخبار خاصة هوءلاء النساك ويقتني الكنز المخفي، فكان يدرب ذاته أن يقتني كل فضيلة يسمع عنها أو يراها فيمن كان يزورهم من الآباء، وفي حياة جادة كان يجاهد في الفضائل ويجهد ذاته في عبادات شاقة، فتدرب على حياة السهر والصلاة وعلى تعب الجسد والنسك في الأصوام وحفظ المزامير، وكان في وقت راحته يعمل بيدية في ضفر الخوص وصنع الليف وكان يبيعه ويشتري بثمنه ما يحتاجه من ضرورات المعيشة ثم يتصدق بالباقي على المحتاجين الذين كانوا دائماً يقصدونه لسد أعوازهم.
والقديس أبو فانا عاش في النصف الثاني من القرن الرابع، ولو افترضنا أن حياته استمرت بين عامي (355 – 415م) فيكون بذلك قد عاصر الأنبا شنودة رئيس المتوحدين وعظماء القديسين والمرشدين الأوائل في رهبنة الصعيد، ومما لا شك فيه أن القديس أبو فانا قد تأثر بهؤلاء القادة وأسس جماعته الرهبانية على منوالهم، فتأثر بحياة الشركة التي وضعها القديس باخوميوس ، كما تأثر بطريقة الأنبا شنودة في الاهتمام بالارشاد وضرورة التعليم للجماعة الرهبانية التي جمعت حوله، ويذكر التاريخ أن دير القديس أبو فانا قد ضم إليه أكثر من 1000 راهب وكان من أوائل الاديرة في الصعيد، وعاش أولئك الرهبان في ما يعرف بنظام المنشوبيات وهو نظام يجمع بين حياتي الشركة والوحدة في آن واحد، فكان كل جماعة من الرهبان من حرفة واحدة أو من قرية واحد يسكنون في منشوبية، والمنشوبية عبارة عن عدة قلالي متجاورة كل راهب يسكن منفرداً في واحدة منها .
+ في سنوات شبابه لم يكن القديس يمتلك شيئاً لنفسه إذ تدرب على حياة التقشف والزهد، وبعد أن وزع أمواله على الفقراء كان عظماء تلك الجهات القريبة يأتون إليه وهم يخضعون له في مهابة عظيمة ، وجاء إليه كثيرون وقدموا إليه أموالاً كثيرة أما هو فلم يأخدها منهم ولكن حينما ألحو عليه أن يقوم بتوزيعها على الفقراء كان يسير في المدن والقرى وقد تطول فترة تجوله إلى عشرة أيام وهذه كان يقضيها القديس في صوم انقطاعي دون طعام أو شراب.
وفي الجبل الغربي خارج قرية أبو صير (بالقرب من قصر هور في الأشمونين) وجد مغارة مظلمة لا يدخلها نور النهار ففرح بها وكأنه وجد ضالته المنشودة (المغارة مازالت قائمة إلى اليوم وهي تبعد 80 متراً يمين مباني الدير وهي مختبئة تحت الأرض ولم تكشف بعد)، ولم يكن الماء متوافراً في المكان ، وكان الرهبان يقطعون مسافات طويلة ليحصلوا على الماء من بعض الآبار المتناثرة.
لكن القديس أبو فانا حينما سكن المغارة وقد وضع رجاءه على الله الذي أحبه من كل قلبه مشتاقاً أن يعبده ويلتصق به في هذا المكان بعيداً عن العالم، حدثت أعجوبة عظيمة إذ أنبع الله ينبوع ماء عذب عند مدخل مغارته. وكم كانت دهشة القديس لهذه المعجزة العظيمة، وامتلأت نفسه بتعزية كثيرة بسبب تلك العناية الإلهية. وهذه العلامة التي صارت من السماء والتي اطمأنت لها نفسه في أن الله أراد له أن يقيم في هذا المكان، فسكن القديس المغارة كل سنوات جهاده.
+ في الوحدة المقدسة بالمغارة حالكة الظلام حيث انفرد القديس أبو فانا وكان يبلغ من العمر 22 عاماً ، سلك طريق الجهاد الروحي الذي كان قد تدرب عليه قبل أن يجيء إلى الجبل، وكان كل يوم يزداد في جهاده حتى أضنى جسده بالصوم الكثير، فكان يحدد لنفسه مقدار ما يأكل كل يوم من الخبز، وتدرب أن ينقص منه بالتدريج حتى صار مقدار ما يأكله كل يوم يسيراً جداً، ما كان فقط ضرورياً لقوت الجسد ومن شدة نسكه أنه لم يذق طعاماً مطهياً ، فما من مرة احتفظ لنفسه بطعام مطهي أحضره له إنسان، كما تدرج في صوم الانقطاع حتى صار يصوم في الشتاء يومين يومين وفي الصيف كان يتناول القليل من الخبز والماء والبلح الجاف عشية كل يوم، وكان يصوم الأربعين المقدسة طياً بكاملها عدا الثلاثة الأيام الأخيرة فكان يأكل فيها شيئاً يسيراً.
وذات مرة سأله تلميذه افرآم عن سبب افطاره الثلاثة أيام فأجاب القديس باتضاع عظيمم: إن السيد المسيح صام أربعين يوماً ولم يكن في حاجة إلى الصوم، هؤلاء الذين صاموا على مثال السيد المسيح ، وأكملوا أربعين يوماً كانوا قديسين كاملين ، لكن من أنا المسكين حتى اتساوى مع الذين اختارهم المخلص كموسى وايليا، وأنا يا ابني انسان ضعيف، وهكذا كان القديس أبو فانا يحب الاتضاع ويكره الافتخار ويهرب من الكبرياء.
وكان قانونه ثلثمائة مطانية أثناء الليل ومثلها في النهار، وأحب حياة السهر فكان يقضي الليل كله في الصلاة وإذا غلبه نعاس النوم كان يرقد على الأرض الخشنة ، ولم يكف القديس عن تزايده في التعب حتى أنه كان دائم الوقوف على رجليه في المغارة، وعندما كان يتناول الطعام كان يتناوله وهو واقف على رجليه حتى تورمت رجلاه من كثرة الوقوف ولصق جلده بعظمه من شدة النسك وصار مثل خشبة محروقة، ومع ذلك لم يخفف من كثرة أتعابه.
وظل مداوماً في الجهاد والنسك حتى صار جسده محنياً ومقوس الظهر، ولم يعد يمكنه أن يرقد ممدداً جسده على الأرض، فكان كلما غلبه النعاس ينام وهو يستند متكئاً بصدره على جدار مقام له خصيصاً وبنى لهذا الغرض، وبالتأكيد كان نوم غير مريح، فكان يغمض عينيه ويميل برأسه مستنداً على الحائط وظلت هذه طريقة نومه ، وهكذا قضى ثمانية عشر سنة حتى يوم نياحته، وبسب هذا العيب الجسدي سمى القديس بالنخلة بسب تقوس ظهره من النسك الشديد الذي كان يمارسه في حياته.
+ أراد الله أن يخرج النور من المغارة المظلمة فأخذ السراج المخفي فيها ووضعه مرتفعاً ليضيء ليس لجيله فقط بل ليظل مضيئاً عبر أجيال كثيرة بعده، فقد فاحت رائحة قداسة رجل الله وانتشر أريجها فجذبت إليه الكثيرين من الشبان محبي الطهارة والتسبيح ، وأشرقت من المغارة أنوار صلاته لأولاده فأتوا بأعداد كثيرة يستضيئون بتعاليمه ويحيون بدفء محبته ومتمثلين باتضاعه ووداعته.
ولم تمر سوى سنوات قليلة حتى تكاثر أولاده جداً، لأن كل من كان يأتي إليه يحبه من أجل محبته واتضاعه، وكان كلما وجد منهم من يتقدم في النعمة يلبسه إسكيم الرهبنة المقدس، وكان تلميذه افرآم يلازمه دائماً، وكبرت شجرة القديس وكثرت ثمارها فقد امتلأ الجبل بالرهبان القديسين حتى صار أشبه بخلية نحل تعمل في صمت ونظام هادئ فامتلأت المغارات بشهد من عسل صلاتهم وطهارتهم ، أو أشبه ببرج حمام تنطلق منه أصوات هدير الحمام هكذا كانت أصوات التسبيح تنطلق من تلك القلالى (المنشوبيات).
+ نياحته وجسده الطاهر: بعد سنوات مملوءة بالجهاد، وحياة مزدهرة بالثمر المتكاثر تزايد شدة المرض على الجسد الضعيف حتى أصبح ملازماً للفراش.... وفي صبيحة يوم السبت 25 أمشير، وقبل أن يشرق نور الشمس أتاه المسيح يدعوه ليختم جهاده وينتقل من هذا العالم، فوقف قائماً ودعا أولاده وأخبرهم بأن المسيح يدعوه إليه وأعلن لهم أن الله أراد أن يريحه وأشار بإقامة القداس الإلهي، وبسرعة تطايرت الأخبار وانتشرت في الجبل وهرعت جماعات كبيرة من الرهبان والشيوخ، وبعد صلاة القداس تقرب القديس من الأسرار المقدسة، وبالرغم من ضعفه وشيخوخته كان واقفاً على قدميه ولم يجلس قط، وودعه الرهبان وتقدم حوله أولاده وتتباركوا منه وفي تواضع طلب منهم القديس أبو فانا أن يباركوا هم عليه، وودعوه ببكاء وتباركوا منه وبعد أن رفع القديس قلبه في صلاته الأخيرة أمال رأسه إلى جانب المكان الذي كان ينام فيه وأسلم روحه بيد الرب القدوس لتصعد وسط جوقة من الملائكة وأرواح القديسين وللوقت فاحت من جسده المقدس رائحة طيب زكية ملأت المكان، فقام الأخوة وكفنوه ودفنوا جسده الكريم بإكرام عظيم، وكان الجميع يأتون إلى مكانه وأظهر الرب من جسده الطاهر آيات كثيرة وعظيمة.
من معجزات القديس : انقاذ الشعب من المجاعة.... كان قساً يلازم أبينا أبو فانا ليقدس عنده ويتناول من يده الأسرار الإلهية المقدسة جاء إليه يوماً وهو باك وجع القلب وعندما فرغ من صلاة التقديس وجلس مع الأخوة قال له القس: يا أبانا إن القحط قد وقع بكثرة وتتضور الناس في الشوارع من كثرة الجوع، فصلى القديس أبو فانا حتى يرحم الله خليقته وينقذها من المجاعة. ... فأرسل الرب إليه الملاك ميخائيل ولما رآه جزع منه فقال له الملاك "يا فانا، يا فانا، يا فانا، لا تجزع ولا يخف قلبك فان الرب أرسلني إليك "فأجاب أبو فانا الملاك" ها أنا ذا".
وقال له الملاك: "انطلق إلى مدينة (أسيوط) وعلى سائر أهلها، فإن الرب يعرف كيف يعول سائر العالم ويدبر أمر خليقته. فقال أبو فانا من أين لي أنا المسكين الحقير ما يقوم بأهل المدينة وأنا لا أقدر أن أعول رجل واحد خاصة في هذه الأيام المجدبة والقحط، اغفر لي يا سيدي. فقال له الملاك "إذ لم تقدر أن تعول نفساً واحدة ولا نفسك أيضاً، لكن الله يعول خليقته حتى ولو كانت كرمل البحر وهو سمح بالمجاعة لتأديبهم
ولمنفعتهم" وحينما دخل القديس إلى المدينة ورفع يديه بالصلاة انقشعت ظلمة المجاعه عنها
+ سطعت أنوار الكاملين في الصعيد فقد ازدهرت الحياة الرهبانية وتزايدت جماعات الرهبان والمتوحدين، وصارت كأشجار خضراء مثمرة أمتلأ بها بستان الرهبنة في مصر العليا، وانتشرت فضائلهم وتناقلتها الأخبار خاصة هوءلاء النساك ويقتني الكنز المخفي، فكان يدرب ذاته أن يقتني كل فضيلة يسمع عنها أو يراها فيمن كان يزورهم من الآباء، وفي حياة جادة كان يجاهد في الفضائل ويجهد ذاته في عبادات شاقة، فتدرب على حياة السهر والصلاة وعلى تعب الجسد والنسك في الأصوام وحفظ المزامير، وكان في وقت راحته يعمل بيدية في ضفر الخوص وصنع الليف وكان يبيعه ويشتري بثمنه ما يحتاجه من ضرورات المعيشة ثم يتصدق بالباقي على المحتاجين الذين كانوا دائماً يقصدونه لسد أعوازهم.
والقديس أبو فانا عاش في النصف الثاني من القرن الرابع، ولو افترضنا أن حياته استمرت بين عامي (355 – 415م) فيكون بذلك قد عاصر الأنبا شنودة رئيس المتوحدين وعظماء القديسين والمرشدين الأوائل في رهبنة الصعيد، ومما لا شك فيه أن القديس أبو فانا قد تأثر بهؤلاء القادة وأسس جماعته الرهبانية على منوالهم، فتأثر بحياة الشركة التي وضعها القديس باخوميوس ، كما تأثر بطريقة الأنبا شنودة في الاهتمام بالارشاد وضرورة التعليم للجماعة الرهبانية التي جمعت حوله، ويذكر التاريخ أن دير القديس أبو فانا قد ضم إليه أكثر من 1000 راهب وكان من أوائل الاديرة في الصعيد، وعاش أولئك الرهبان في ما يعرف بنظام المنشوبيات وهو نظام يجمع بين حياتي الشركة والوحدة في آن واحد، فكان كل جماعة من الرهبان من حرفة واحدة أو من قرية واحد يسكنون في منشوبية، والمنشوبية عبارة عن عدة قلالي متجاورة كل راهب يسكن منفرداً في واحدة منها .
+ في سنوات شبابه لم يكن القديس يمتلك شيئاً لنفسه إذ تدرب على حياة التقشف والزهد، وبعد أن وزع أمواله على الفقراء كان عظماء تلك الجهات القريبة يأتون إليه وهم يخضعون له في مهابة عظيمة ، وجاء إليه كثيرون وقدموا إليه أموالاً كثيرة أما هو فلم يأخدها منهم ولكن حينما ألحو عليه أن يقوم بتوزيعها على الفقراء كان يسير في المدن والقرى وقد تطول فترة تجوله إلى عشرة أيام وهذه كان يقضيها القديس في صوم انقطاعي دون طعام أو شراب.
وفي الجبل الغربي خارج قرية أبو صير (بالقرب من قصر هور في الأشمونين) وجد مغارة مظلمة لا يدخلها نور النهار ففرح بها وكأنه وجد ضالته المنشودة (المغارة مازالت قائمة إلى اليوم وهي تبعد 80 متراً يمين مباني الدير وهي مختبئة تحت الأرض ولم تكشف بعد)، ولم يكن الماء متوافراً في المكان ، وكان الرهبان يقطعون مسافات طويلة ليحصلوا على الماء من بعض الآبار المتناثرة.
لكن القديس أبو فانا حينما سكن المغارة وقد وضع رجاءه على الله الذي أحبه من كل قلبه مشتاقاً أن يعبده ويلتصق به في هذا المكان بعيداً عن العالم، حدثت أعجوبة عظيمة إذ أنبع الله ينبوع ماء عذب عند مدخل مغارته. وكم كانت دهشة القديس لهذه المعجزة العظيمة، وامتلأت نفسه بتعزية كثيرة بسبب تلك العناية الإلهية. وهذه العلامة التي صارت من السماء والتي اطمأنت لها نفسه في أن الله أراد له أن يقيم في هذا المكان، فسكن القديس المغارة كل سنوات جهاده.
+ في الوحدة المقدسة بالمغارة حالكة الظلام حيث انفرد القديس أبو فانا وكان يبلغ من العمر 22 عاماً ، سلك طريق الجهاد الروحي الذي كان قد تدرب عليه قبل أن يجيء إلى الجبل، وكان كل يوم يزداد في جهاده حتى أضنى جسده بالصوم الكثير، فكان يحدد لنفسه مقدار ما يأكل كل يوم من الخبز، وتدرب أن ينقص منه بالتدريج حتى صار مقدار ما يأكله كل يوم يسيراً جداً، ما كان فقط ضرورياً لقوت الجسد ومن شدة نسكه أنه لم يذق طعاماً مطهياً ، فما من مرة احتفظ لنفسه بطعام مطهي أحضره له إنسان، كما تدرج في صوم الانقطاع حتى صار يصوم في الشتاء يومين يومين وفي الصيف كان يتناول القليل من الخبز والماء والبلح الجاف عشية كل يوم، وكان يصوم الأربعين المقدسة طياً بكاملها عدا الثلاثة الأيام الأخيرة فكان يأكل فيها شيئاً يسيراً.
وذات مرة سأله تلميذه افرآم عن سبب افطاره الثلاثة أيام فأجاب القديس باتضاع عظيمم: إن السيد المسيح صام أربعين يوماً ولم يكن في حاجة إلى الصوم، هؤلاء الذين صاموا على مثال السيد المسيح ، وأكملوا أربعين يوماً كانوا قديسين كاملين ، لكن من أنا المسكين حتى اتساوى مع الذين اختارهم المخلص كموسى وايليا، وأنا يا ابني انسان ضعيف، وهكذا كان القديس أبو فانا يحب الاتضاع ويكره الافتخار ويهرب من الكبرياء.
وكان قانونه ثلثمائة مطانية أثناء الليل ومثلها في النهار، وأحب حياة السهر فكان يقضي الليل كله في الصلاة وإذا غلبه نعاس النوم كان يرقد على الأرض الخشنة ، ولم يكف القديس عن تزايده في التعب حتى أنه كان دائم الوقوف على رجليه في المغارة، وعندما كان يتناول الطعام كان يتناوله وهو واقف على رجليه حتى تورمت رجلاه من كثرة الوقوف ولصق جلده بعظمه من شدة النسك وصار مثل خشبة محروقة، ومع ذلك لم يخفف من كثرة أتعابه.
وظل مداوماً في الجهاد والنسك حتى صار جسده محنياً ومقوس الظهر، ولم يعد يمكنه أن يرقد ممدداً جسده على الأرض، فكان كلما غلبه النعاس ينام وهو يستند متكئاً بصدره على جدار مقام له خصيصاً وبنى لهذا الغرض، وبالتأكيد كان نوم غير مريح، فكان يغمض عينيه ويميل برأسه مستنداً على الحائط وظلت هذه طريقة نومه ، وهكذا قضى ثمانية عشر سنة حتى يوم نياحته، وبسب هذا العيب الجسدي سمى القديس بالنخلة بسب تقوس ظهره من النسك الشديد الذي كان يمارسه في حياته.
+ أراد الله أن يخرج النور من المغارة المظلمة فأخذ السراج المخفي فيها ووضعه مرتفعاً ليضيء ليس لجيله فقط بل ليظل مضيئاً عبر أجيال كثيرة بعده، فقد فاحت رائحة قداسة رجل الله وانتشر أريجها فجذبت إليه الكثيرين من الشبان محبي الطهارة والتسبيح ، وأشرقت من المغارة أنوار صلاته لأولاده فأتوا بأعداد كثيرة يستضيئون بتعاليمه ويحيون بدفء محبته ومتمثلين باتضاعه ووداعته.
ولم تمر سوى سنوات قليلة حتى تكاثر أولاده جداً، لأن كل من كان يأتي إليه يحبه من أجل محبته واتضاعه، وكان كلما وجد منهم من يتقدم في النعمة يلبسه إسكيم الرهبنة المقدس، وكان تلميذه افرآم يلازمه دائماً، وكبرت شجرة القديس وكثرت ثمارها فقد امتلأ الجبل بالرهبان القديسين حتى صار أشبه بخلية نحل تعمل في صمت ونظام هادئ فامتلأت المغارات بشهد من عسل صلاتهم وطهارتهم ، أو أشبه ببرج حمام تنطلق منه أصوات هدير الحمام هكذا كانت أصوات التسبيح تنطلق من تلك القلالى (المنشوبيات).
+ نياحته وجسده الطاهر: بعد سنوات مملوءة بالجهاد، وحياة مزدهرة بالثمر المتكاثر تزايد شدة المرض على الجسد الضعيف حتى أصبح ملازماً للفراش.... وفي صبيحة يوم السبت 25 أمشير، وقبل أن يشرق نور الشمس أتاه المسيح يدعوه ليختم جهاده وينتقل من هذا العالم، فوقف قائماً ودعا أولاده وأخبرهم بأن المسيح يدعوه إليه وأعلن لهم أن الله أراد أن يريحه وأشار بإقامة القداس الإلهي، وبسرعة تطايرت الأخبار وانتشرت في الجبل وهرعت جماعات كبيرة من الرهبان والشيوخ، وبعد صلاة القداس تقرب القديس من الأسرار المقدسة، وبالرغم من ضعفه وشيخوخته كان واقفاً على قدميه ولم يجلس قط، وودعه الرهبان وتقدم حوله أولاده وتتباركوا منه وفي تواضع طلب منهم القديس أبو فانا أن يباركوا هم عليه، وودعوه ببكاء وتباركوا منه وبعد أن رفع القديس قلبه في صلاته الأخيرة أمال رأسه إلى جانب المكان الذي كان ينام فيه وأسلم روحه بيد الرب القدوس لتصعد وسط جوقة من الملائكة وأرواح القديسين وللوقت فاحت من جسده المقدس رائحة طيب زكية ملأت المكان، فقام الأخوة وكفنوه ودفنوا جسده الكريم بإكرام عظيم، وكان الجميع يأتون إلى مكانه وأظهر الرب من جسده الطاهر آيات كثيرة وعظيمة.
من معجزات القديس : انقاذ الشعب من المجاعة.... كان قساً يلازم أبينا أبو فانا ليقدس عنده ويتناول من يده الأسرار الإلهية المقدسة جاء إليه يوماً وهو باك وجع القلب وعندما فرغ من صلاة التقديس وجلس مع الأخوة قال له القس: يا أبانا إن القحط قد وقع بكثرة وتتضور الناس في الشوارع من كثرة الجوع، فصلى القديس أبو فانا حتى يرحم الله خليقته وينقذها من المجاعة. ... فأرسل الرب إليه الملاك ميخائيل ولما رآه جزع منه فقال له الملاك "يا فانا، يا فانا، يا فانا، لا تجزع ولا يخف قلبك فان الرب أرسلني إليك "فأجاب أبو فانا الملاك" ها أنا ذا".
وقال له الملاك: "انطلق إلى مدينة (أسيوط) وعلى سائر أهلها، فإن الرب يعرف كيف يعول سائر العالم ويدبر أمر خليقته. فقال أبو فانا من أين لي أنا المسكين الحقير ما يقوم بأهل المدينة وأنا لا أقدر أن أعول رجل واحد خاصة في هذه الأيام المجدبة والقحط، اغفر لي يا سيدي. فقال له الملاك "إذ لم تقدر أن تعول نفساً واحدة ولا نفسك أيضاً، لكن الله يعول خليقته حتى ولو كانت كرمل البحر وهو سمح بالمجاعة لتأديبهم
ولمنفعتهم" وحينما دخل القديس إلى المدينة ورفع يديه بالصلاة انقشعت ظلمة المجاعه عنها
التسعة والأربعون شهيداً شيوخ برية شيهيت
(1)في لحظة من لحظات النهار وفي ومضة من ومضات السيف، غابت عنهم شمس النهار، وغاب الدير كله، وغابت الأرض والأسوار، وفجأة انفتحت أعينهم على أمجاد ليست من هذا الدهر، وعلى نور عجيب، إنه وجه يسوع، نهاية المطاف، فكان هو نهارهم وشمسهم وديرهم الجديد وأجرتهم السعيدة!.. لقد وُزنوا جميعاً في الموازين فوُجدوا كاملين، وفُحصت الوكالة في القليل فوُجدوا جميعاً أمناء، فأخذوا في الحال تكليفاً على عشر مدن، وكان ديرنا السعيد واحداً من هذه المدن العشر.
هؤلاء هم الشيوخ الشهداء أصحاب الحظ السعيد الذي فازوا به بإرادتهم، حين أتاهم البربر(2) عام 444م يريدون قتلهم وأخذ ما ظنوا أنه موجود في كنيسة الدير، فقبلوا أن يُقتلوا من أجل اسم المسيح.
سيرة استشهاد الشيوخ التسعة والأربعين
تقول سيرتهم التي كتبها القديس أنبا دانيال قمص برية شيهيت، الذي وُلد عام 485م وعاش حياة النسك والقداسة، ورُسم قمصاً للبرية قبل سنة 535م:
كان على زمان ثاؤذوسيوس الملك ابن أركاديوس، أن ثاؤذوسيوس لم يكن له ولد، فأرسل إلى الشيوخ بشيهيت يسألهم أن يسألوا الله من أجله فيعطيه ولداً. وكان من بين هؤلاء الشيوخ شيخ كبير يسمى الأب إيسيذوروس، كتب إلى الملك يعرِّفه أن الله ما أراد أن يخرج منه ولد حتى لا يشارك أرباب البدع بعده. فلما علم الملك برسالتهم شكر الله وسكت. فأشار عليه قوم آخرون أن يتزوج امرأة أخرى ليرزق منها ولداً يرث المُلك من بعده، فأجابهم: ”ما أفعل شيئاً بخلاف أمر الشيوخ ببرية مصر“، لأن صيتهم كان قد خرج في كل الدنيا. فأرسل رسولاً يستأذنهم في ذلك. وكان للرسول ابن وحيد، فطلب منه أن يصحبه فأخذه معه ليتبارك من الشيوخ. ولما وصلوا إلى الشيوخ وقرأوا كتاب الملك، وكان أنبا إيسيذوروس قد تنيح، فأخذوا الرسول وأتوا به إلى حيث جسده وقالوا للجسد: ”يا أبانا قد وصلت هذه الكتب من عند الملك وما نعرف بما نجاوبه“! فجلس الشيخ وقال: ”ما قد قلته للملك أن الرب ما يرزقه ولداً، فمَنْ أعلمه شيئاً آخر يتنجس. فلو أنه يتزوج عشر نساء فلن يرزق منهن ولد“. ثم عاد القديس وانضجع.
هجوم البربر على الدير: فكتب الشيوخ للرسول جواب الكتب. ولما عزم على الخروج، إذا البربر قد أتوا. من هم البربر:
البربر هم قوم أشداء سكنوا في شمال أفريقيا غرب مصر، وهي قبائل همجية تعتصم بالجبال ويُعرفون باسم الأمازيق ويتعبدون للشمس، وقد قاموا بثلاث هجمات على برية شيهيت: الأولى سنة 407م استشهد فيها القديس موسى الأسود مع سبعة آخرين، ورحل بعدها الرهبان ولم يبقَ منهم سوى القديس أرسانيوس. والغارة الثانية سنة 434م وكان التخريب فيها عظيماً، مما جعل الرهبان يبنون الحصون ليحتموا فيها. وكانت مزودة ببئر ماء ومخازن. وقد بُني أول حصن بدير أنبا مقار عام 438م. وأثناء هذه الهجمات استولى البربر على الغنائم مستغلين سماحة الرهبان وتقواهم. فقاموا بغارة أخرى عام 444م استشهد فيها الشيوخ التسعة والأربعون. ثم جدد الآباء الأديرة، وسُمع صوت في البرية يقول: (الفرار... الفرار). وبعدها هجم البربر على الأديرة بوحشية وقتلوا الشيوخ وأسروا أنبا يؤنس قمص البرية وأنبا صموئيل المعترف، وذهب أنبا دانيال إلى دير تمبوك، ثم كانت الغارة الرابعة سنة 570م وظلوا يهاجمون الأديرة للنهب والسلب حتى سنة 620م، حتى أخضعتهم الدولة العباسية بعد قتال عنيف لسنوات طويلة.
الاستشهاد
وحينما أتى البربر، وقف شيخ كبير يقال له أنبا يؤنس وقال للإخوة: ”ها هم قد أتوا وهم لا يطلبون إلا قتلنا، فمن أراد الشهادة يقف معي، ومن خاف يصعد إلى القصر (الحصن)“.فهرب بعضهم، وبقي مع الشيخ ثمانية وأربعون.
فأتى البربر وذبحوا الشيوخ، فالتفت ابن الرسول من الطريق فرأى الملائكة وهم يضعون الأكاليل على رؤوس الشيوخ المقتولين. وكان اسم الصبي ذيوس، فقال لأبيه: ”هوذا أنا أبصر قوماً روحانيين يضعون الأكاليل على رؤوس الشيوخ، والآن أنا ماضٍٍ لآخذ إكليلاً مثلهم“. فأجابه والده: ”وأنا معك يا ابني“. فعادوا وأظهروا نفوسهم للبربر فقتلوهم وأخذوا الشهادة.
جمع أجساد الشهداء : وبعد مضيِّ البربر، نزل الرهبان من القصر وضموا الأجساد معاً وجعلوهم في مغارة، وصاروا يصلُّون قدامهم كل ليلة ويرتلون ويتباركون منهم..
ولما خربت البرية خافوا على الأجساد فنقلوهم من مكانهم وأتوا بهم إلى جانب كنيسة أنبا مقار، وبنوا لهم مغارة، وعملوا عليها كنيسة في زمان البابا ثيئوذوسيوس البطريرك.
عظة على استشهاد الشيوخ
(3) هؤلاء هم الشيوخ الأجلاء الذين قدموا حياتهم فجأة على مذبح الحب الإلهي، بيِّنة على أمانة سيرتهم الطاهرة التي كانوا يكتبونها كل يوم في السموات بجهادهم وعبادتهم الخالصة النقية من حب العالم وشهوة الدنيا. فلما بوَّق لهم الملاك ميَّزوا صوته وأدركوا الدعوة في الحال، وكانوا على أتم استعداد للسفر السعيد، لم يكونوا ممسوكين بشيء من معوقات هذا الدهر.
+ لقد خلعوا طواعية كل كرامة فانية، فتأهبوا باتضاعهم المستعد للبس الإكليل الذي لا يفنى.
+ لقد استوفوا كل ديون الناس بالمحبة - كقول الرسول - فلم يكن في كشوف معاملاتهم ما يعوق الضمير أو يعطل السفر.
+ لقد افتدوا الوقت الشرير بيقظة القلب، فلم يأخذهم النعاس القاتل، ولا سقطوا كغيرهم في بالوعة الاهتمامات الكاذبة، ولا سرقهم تسويف العمر في الباطل، ولا أدركتهم ظلمة اليأس لحظة سماع البوق.
+ لقد جمعوا الزيت الطيب في أواني الصلاة، وأشعلوا المصابيح بنار الحب المقدس وملأوا الزق بدموع التوسل، وتأهبوا لملاقاة العريس مستبشرين ومطمئنين.
+ لقد أكلوا الجسد وشربوا الدم متواتراً، فحسبوا فيهما جيداً حساب الألم وأدركوا بهما سر الموت، وبلغوا فيهما يقين القيامة. فلما دعا داعي الاستشهاد ولمع السيف في يد القاتل حسبوها لحظة العمر لبلوغ الحياة والقيامة الأفضل!!
+ آخرون مثلهم هربوا من العذاب ووجلوا من رعبة الموت وصعدوا واختبأوا في الحصن، وفضلوا البقاء هنا قليلاً عن دوام الحياة هناك. أما هؤلاء التسعة والأربعون السعداء فأقبلوا على الموت وكأنه الخلاص عينه، ”فعُذِّبوا ولم يقبلوا النجاة، لكي ينالوا قيامة أفضل“ (عب 35:11)، فنالوا، ونلنا من بعدهم ميراث إيمانهم ودمائهم مصباحاً لا ينطفىء نوره أمام كل الذين يحبون النور ويحبون السير وراءهم في النور إلى جيل الأجيال!
شفاعة هؤلاء القديسين الشيوخ فلتكن معنا. آمين.
ذكصولوجية التسعة والأربعين شهيداً شيوخ برية شيهيت
القديسون لُبَّاس الصليب المجاهـدون في المسيح
الذين قُتلوا في شيهيت على أيـدي البربــر
أكملوا كل سـيرتـهم وهم عائشون في البراري
متمنطقين بقوة المسـيح ضد الأرواح الشريرة
لقد قـدَّسوا حواسهم الروحية والجسدية
في نُسكيَّات متعـبة وفي دموع وفي سهر
لقد لبسـوا درع الإيمان الأرثوذكسي الذي هو تلاوة طغمات المختارين معلِّمي الكنيسة
ولبسوا الإكليل غير المضمحل الذي للإستشهاد
من قِبَل المجاهد عنهم حقاً ربنا يسوع المسيح
اطلبوا من الرب عنا أيها التسعة والأربعون شهيداً
ليــتـراءف الله علــينا ويــغـفر لنا خطـايـانا.
الهوامش:
(1) عن عظة لقدس أبينا الروحي الأب متى المسكين ليلة تذكار استشهادهم عام 1974م. .
( 2) أنظر عنوان: ”من هم البربر“ .
(3) عن عظة لقدس أبينا الروحي الأب متى المسكين ليلة تذكار استشهادهم الموافق الأحد 26 طوبة 1690 – 3 فبراير 1974 بكنيستهم بدير القديس أنبا مقار الكبير..
الشهيد بانيكاروس الفارسى
تحتفل الكنيسة بعيده في الخامس من طوبة. لعله هو بعينهأناطوليوس المذكور تحت 12 طوبة في السنكسار بعد القديس تادرس المشرقي مباشرة، بكونهصديقه وشريكه في العمل كما في الشهادة. كان من بلاد الفرس، أُقيم رئيسًا للجند،وكان محبوبًا لدى الملوك بسبب شجاعته. في عهد الإمبراطور دقلديانوس، إذ كان نائمًاأبصر رؤيا كأنه قد ارتفع إلى السماء وقام إثنان من جيش الروم بتعميده في بحيرةنارية هما تادرس المشرقي وليونديوس العربي (في سنكسار رينيه باسيه "الغربي")، وكأنالأول قد تسلمه ابنا له. في الغد رأى بانيكاروس الفارسي الرجلين اللذين رآهما فيالحلم قد جاءا فعلاً، وأخذاه معهما من فارس إلى بلاد الروم، وقد روى الثلاثة أنهمنظروا ذات الرؤيا في ليلة واحدة فتعجبوا. التصق الثلاثة معًا برباط حبٍ روحي،وكانوا يمارسون الحياة التعبدية علانية في وسط الجيش، الأمر الذي أثار دقلديانوسومكسيميانوس فأرسلا وراءهم يستدعونهم، وإذ عرفا أن بانيكاروس فارسي خشيا لئلا تحدثعداوة بينهما وبين ملك الفرس بسببه فأرادا التخلص منه، لذا أرسلاه إلى رومانيوسوالي الإسكندرية لكي يلاطفه أولاً بكل وسيلة لعله يجحد مسيحه وإلا فيعذبه ويقتله. في الإسكندرية اقتاده أربعة من الجند إلى رومانيوس، وهناك أمر الوالي بطرحه فيالسجن حيث ظهر له السيد المسيح، يقول له: " يا حبيبي بانيكاروس، السلام لك! تشددواغلب، فإن سلامي يكون معك ".
سجد القديس بانيكاروس أمام السيد المسيح، فباركه الربوشجعه أن يبكت الوالي على شره، وألا يخاف من عذاباته. وفي الغد استدعى الواليالقديس بانيكاروس الذي تعجب لجمال طلعته ومهابته، وإذ رأى ثباته على الإيمان صاريعذبه تارة بوضعه على كرسي مملوء بالمسامير، وأخرى بوضع قطعة حديد محماة على رأسه،وثالثة بإشعال نيران تحته. وكان الرب يسنده ويشفيه. وسط العذابات جاءت إليهالجماهير تقدم المرضى، فكان يصلي عنهم والرب يشفيهم، وكانت شياطين كثيرة تخرج منكثيرين باسم السيد المسيح.
سمع تاوغنسطس، أحد الأمراء بالخمس مدن، وكان معلمًالأولاد الملوك، عن هذا الشهيد وعمل الله على يديه، فسأله من أجل ابنه الوحيد الذيبه روح شرير، عندئذ طمأنه القديس بانيكاروس، سائلاً إياه أن يعود إلى بيته. انطلقالأمير إلى بيته بينما صنع الوالي أتونًا وألقى فيه القديس بانيكاروس فجاء رئيسالملائكة ميخائيل وأصعده من الأتون وانطلق به إلى دار الأمير تاوغنسطس حيث اخرجالروح الشرير بعد رشمه بعلامة الصليب، فأمن الأمير وأهل بيته. طلب رومانيوس منالجند أن ينظروا ما فعلت النيران ببانيكاروس. واذ اقترب الجند مات عدد منهم وأصيبالبعض بحروق، لكن الوالي استراح إذ ظن أن الآلهة قد انتقمت من بانيكاروس فلم تتركشيئًا من عظامه. ولم يمضِ إلا القليل حتى جاءه الخبر بأن بانيكاروس في بيت الأميرتاوغنسطس. استدعى الوالي الشهيد، وإذ رأته الجماهير هتف الكثيرون يعلنون إيمانهمبالمسيح المخلص، وإذ خشيّ الوالي من الثورة ألقى الشهيد في السجن حيث ظهر له السيدالمسيح وطمأنه انه سينال البركات السماوية مع صديقيه تادرس وليونديوس. في الغد أمرالوالي بتعليق الشهيد منكس الرأس وأن يُربط حجر كبير في عنقه، وتوقد النيران تحتوجهه، فأرسل ملاكه وخلصه. أُرسل إلى السجن فأتت الجماهير بمرضاها، وتحول السجن إلىمستشفي لعلاج الكثيرين باسم الرب. بعد عذابات كثيرة خلالها آمن كثيرون قُطعت رأسهليحمله الأمير إلى داره.
بركة صلواته تكون معنا دائما . أمين
منقــــــــــول
سيرة الشهيد مارجرجس
اقدم لكم سيره لقديس عظيم كانت حياته بكل معانى البطوله000000
سلام عليك ياجورجيوس الكبادوكى00 الرومانى 00 بطل الابطال 00 وامير الشهداء00
فى ربوع الاراضى المقدسه , فى فلسطين الحبيبه , تلك الارض التى تتيه فخرا على سائر بقاع كوبكنا الارضى بانها كانت مهد السيد المسيح , وحيث ترعرع طفلا وصبيا وشابا , وحيث كرز ببشاره الملكوت , فى تلك الاراضى التى شهدت قيامه رب المجد وصعوده الى السموات00000
وفى مدينه اللد تلك المدينه التى لاتزال تحتل مكانها على خريطه فلسطين حتى اليوم , ولد القديس العظيم جاورجيوس (مارجرجس) فى عام 280 م , ولد من ابوين مسيحيين قديسين , فهو قديس ابن قديس , فوالده هو الامير استطاسيوس وامه هى الاميره ثاوبستى , وكانت للقديس اختان هما كاسيه ومدرونه 0
كان الامير استطاسيوس اميرا على مدينه تسمابرتوس وكان تقيا يخاف الله , وقد بسط له الله فى الرزق فكان غنيا جدا , ولكنه لم يستغل المال فى الشر بل فى خدمه المسيح واخوه المسيح من فقراء وارامل ومعوزين , فاصبح بيت استطاسيوس كعبه كل محتاج,, وملاذ كل معوز,00000000000
وفى هذا الجو النقى تربى جاورجيوس , فما كاد يشب عن الطوق حتى انكب على الصلاه والصوم والعطاء وحفظ الكتاب المقدس , وهكذا تاصلت المسيحيه المثاليه فى قلبه منذ الصغر وتحقق بذلك قول الكتاب المقدس " رب الولد فى طريق الرب فمتى شاخ لن يحيد عنه " 000
ولم يتعلم جاورجيوس من والده التعاليم المسيحيه فحسب بل تعلم منه كيف يضحى الانسان بحياته فى سبيل المسيح , فكان استطاسيوس قدوه صالحه لابنه , فعندما كان جاورجيوس فى العاشره من عمره تقريبا ان استشهد الامير استطاسيوس بسبب تمسكه الشديد بمسيحيته على يد احد الولاه الوثنيين الذى امر بقطع رأسه فنال اكليل الشهاده 0
بعد استشهاد الامير استطاسيوس تولى مكانه الامير يسطس وكان اميرا بارا يخاف الله كثيرا ويسير سيرا حسنا امام المسيح , فكان خير خلف لخير سلف , وقد احسن يسطس الى اسره استطاسيوس , فظلت فى عهده معززه مكرمه يحترمها بل يحبها الجميع , ولم يكن للامير يسطس من الذريه الا ابنه وحيده صغيره فتفرغ مع زوجته الى تربيتها فى طريق خوف الرب احسن تربيه0
وزار الامير يسطس منزل اسره جاورجيوس , فاستقبلته الاميره ثاوبستى احسن استقبال وقدمت له ابنها جاورجيوس , وماكاد لامير يراه حتى احبه وكلف به , فطلب من ثاوبستى ان تسلمه اليه حتى يتعلم الفروسيه ومن ثم ينخرط فى سلك الجنديه , ففرحت الوالده الباره بهذا الاقتراح ووافقت عليه , وسرعان ما انتقل الشاب الوسيم جاورجيوس الى قصر الامير وسرعان ما تفوق على الجميع فى ركوب الخيل وجميه انواع الفروسيه وظهرت للجميه شجاعته النادره , مما اهله للالتحاق بالجنديه , فاصبح فى وقت قصير فارس الفرسان وبطل الابطال فذاع صيته فى كل فلسطين وسرعان ما ترقى فاصبح قائدا عظيما تاتمر تحت قيادته فرقه كبيره من الف جندى0
بعث الامير يسطس القديس العظيم الى الملك لترقيته الى مصاف الامراء , فماكاد جاورجيوس يمثل فى حضره الملك حتى راع الملك حسن الطلعه الفارس المغوار , وماكاد يقراء خطاب الامير بتزكيته الى رتبه الامراء حتى يوافق على ذلك فيتوجه بتاج الاماره ويمنحه لقب امير من امراء الدوله الرومانيه , ومن هنا اصبح لقبه جاورجيوس الرومانى بعد ان كان يلقب بجاورجيوس الكبادوكى , كما منحه الملك مرتبا ضخما يصرف من خزانه الدوله يربو عن الفى دينار شهريا , كما عينه اميرا على خمسه الاف جنديا , وتعبيرا عن رضائه الملكى وهبه حصانا اشهبا جميلا0
ويعود الامير جاورجيوس الى بلاده متوجا باكليل المجد هذه , فتفرح به والته كثيرا وتقيم وليمه عظيمه لاهل المدينه الاغنياء والفقراء على السواء , وتوزع اموالا كثيره على الارامل والايتام , ففرح اى انسان لن يكمل ما لم يمسح المرء كل دمعه من عين الارمله واليتيم , وما لم يعمل على اسعاد كل بائس وفقير 0
واستدعى الامير يسطس كبار رجالات المدينه واشهدهم على انه ترك كل امواله واملاكه للامير جاورجيوس خطيب ابنته , وانه اصبح بذلك وكيلا له ومتسلطا على جميع اماراته00000000
وبذلك اصبح بطلنا جاورجيوس مساعدا للحاكم ومتصرفا فى جميع امواله , واستمر هذا الوضع حتى بلغ القديس العشرين من عمره0000000000
وحينئذ لعبت الاحداث دورا خطيرا فى تغيير حياه جاورجيوس 00000000
فقد كانت السماء تدخره لمهمه ضخمه , واعظم من ان يكون مجرد اميرا او حاكم او رب اسره 000000000!0
لقد كانت تنتظر مهمه عظمى , مهمه تجعله خالدا بين الخالدين وعلما عظيما بين ابطال المسيحيه !!!!!!!!!!!!!!!!!0
فما هذا الحدث الذى حول مجرى حياه هذا البطل ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!0
لم يكن مجرد حدث واحدا0000000
بل حدثان00000000 حدث على مستوى الدوله وعلاقتها بالمسيحيه 000000000 وحدث اخر يتعلق بالصهر المنتظر للقديس جاورجيوس0
كانت تلك هى اسره مسيحيه مثاليه من كتاب بطل الشهداء جورجيوس ,,,,,,0
انتظروا " بركان يثور "0
بركه وشفاعه القديس العظيم مارجرجس امير الشهداء والقديسه الطاهره مريم العذراء تكون مع جميعنا امين, ولربنا المجد دائما ابدياامين0
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق